إن من أجل النعم العظيمة التي أنعم الله تعالى بها على أُمَّة الإسلام فرض عيد الفطر المبارك الذي أشاد به الشاعر الحكيم أبو الطَّيِّب المتَنَبِي بقصيدته المشهورة في مثل هذه المناسبة الكريمة التي تمتاز بالفرح والسرور - بهذا العيد السعيد قائلاً:-
عيدٌ بأَيَّةِ حال عُدْتَ يا عِيدُ
بما قضى أَمْ بأمْرٍ فيكَ تجديدُ.
فكل واحدٍ مِنَّا في هذه الأيَّام المباركة يسأل نفسه مراراً وتكراراً كيف نستقبل هذا العيد المبارك؟!! الذي حل بعد شهر الفضل والبِرِّ والإِحَسانُ والرَّحمَة والغفران والعتق من النَّار.
هل نحسن استقباله ونصحح ما كُنَّا عليه من غفلة ولهو؟!!
أم نصبح كما كُنَّا في غفلة ولهو - كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} (1) سورة الأنبياء.
وكما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (9) سورة المنافقون.
سُؤال يدور في خلد كل واحد منَّا كلما أقبل عيد يجد المرء نفسه وحيداً إلا من ((الصمت)) الذي يشمل الكون الفسيح عندما ينادي مستغيثاً ومستنجداً فلا يجد من حوله من يسمع نداءه - ولم يجد سبيلاً واحداً من الخلاص إلا باللجوء إلى الباري عزَّ وجلَّ أن يحيل الضعف إلى القوَّة، والتفرق إلى ائتلاف، والتناحر إلى الأُلفَةِ... وهذا العيد قد أقبل فكيف نستقبله؟ إذا كنا متقاطعين الصلة ومتحاسدين ومتناحرين، فنحن في تلك الحالة لم نحسن استقباله. وإذا كان أحدنا يسعى للوقيعة بالآخر فنحن في تلك الحالة لم نحسن استقباله. وإذا لم نعمل على توحيد الصفوف بين الأقارب والأرحام والأحبة فنحن في تلك الحالة لم نحسن استقباله. وإذا لم نعمل على تمزيق صفحات الخلاف وامتهان أسباب الفرقة ونبذ دواعي الحقد والحسد والبغضاء والكراهية والنميمة والوشاية فنحن في تلك الحالة لم نحسن استقباله. ومن أعظم النعم على المرء أن ينال البهجة والسرور فهي تمنح قلب المرء الاستقرار والراحة والهدوء والطمأنينة والثبات وابتهاج النفس على جودة العطاء والإنتاج, فإن السرور بذاته يبعد الإنسان عن التيارات المزعجة والمؤلمة كافَّة كالهموم والغموم والأحزان والأحقاد فمَّن عود نفسه على الصبر والثبات والجلد خفَّت عنه الأزمات المزعجة كافَّة, فيجب على كل واحد منَّا أن يبتعد كل الابتعاد في هذه الأيَّام المباركة السعيدة عن الجراح والهموم كافَّة التي تفسد الحب والود فيكسب المرء أمرين مهمين:-
أ - إسعاد نفسه أولاً.
ب - إسعاد غيره ثانياً.
فالابتسامة التي تحمل أبجديات الحب والتقدير بلْسَمٌ للهمِوم ومرهَمٌ للأحقادِ والأحزانَ. وكان نبي هذه الأمة المحمَّديَّة صلوات الله وسلامه عليه يبتسم أحياناً حتى تبدو نواجدُه، وهذه ابتسامة العقلاءِ، البصراءِ بداءِ النَّفسِ ودوائِها.
وتعد الابتسامة والبشاشة الجميلة ذروةُ الانشراحِ وقِمَّةُ الرَّاحة والسَّرور - ((وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة))، كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا} (19) سورة النمل. وكانت العرب تُشيد بالمرء المبتسم وتجعله دليلاً على سَعَةِ صَدره وكرمِ سجاياه وصفاء نفسه، أما عبوس الوجه فيدل دلالة واضحة على تذمر النفس وتعكر المزاج كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} (22) سورة المدثر، ويقولُ أحمد أمين في كتابه ((فيْضِ الخاطرِ)): ليسَ المبتسمونَ للحياةِ أسعدَ حالاً لأنفسِهمِ فقط، بل هم كذلك أقدرُ على العملِ وأكثرُ احتمالاً للمسؤوليَّة وأصلحُ لمواجهةِ الشدائدِ ومعالجةِ الصِّعابِ والإتيانِ بعظائمِ الأمورِ الَّتي تنفعهُمْْ وتنفعُ النَّاسَ.
وأيام عيد الفطر المبارك كلها مشرقة باسمة وسيلتقي خلالها الإخوة والأحبة والأرقاب والأصدقاء والأعزَّاءُ في جو يسوده الود والألفة والمحبة والتقدير والاحترام، فهي فرصة سانحة يستعيد فيها أفراد المجتمع علاقاتهم ويؤكدون فيها روابطهم الأخويَّة، وقال نبي الرحمة والذي (نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتوه تحاببتم؟ أفشُوا السلام بينكم) رواه مسلم.
وعنه قال: (إن الله تعالى يقولُ يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أظلهمُ في ظِلِّي يوم لا ظل إلا ظِلِّي)) رواه مسلم .
وعن مُعَاذ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((قال الله عزَّ وجلَّ: المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نُور يغبطهم النَّبيُّونَ والشُّهداءُ)) رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
فالواجب علينا جميعاً أن نستفيد من هذه الأيَّام المباركة وهذه الأيَّام السّعيدة التي تطل علينا في العام مرة واحدة بما ينفع ويفيد، ونبتعد كل البعد عما يضر وما يسيء، ونحاول بقدر الإمكان أن نفتح صفحات بيضاء خالية من الشوائب المؤلمة والمحزنة كافة.
وفي الختام أرفع أسمى عبارات التهاني وأزكى عبارات التبريكات إلى مقام والدنا وقائدنا وباني نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السُّمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود والنَّائب الثَّاني صاحب السُّمو الملكي الأمير مُقرن بن عبد العزيز آل سعود - حفظهم الله جميعاً من كل سوء ومكروه إنه سميع مجيب.