تحدث زميلي وأخي الغالي تركي الدخيل عن السمنة، وأصدر كتاباً رائعاً، بعنوان “مذكرات سمين سابق”، باعتباره سميناً سابقاً، عايش معاناة البدانة، ووصف التجارب المثيرة التي عاشها وهو على حافة الانفجار كما وصف نفسه في تلك المرحلة.
أتحدث عن السمنة في مقالي هذا وأنا عضو فاعل بل مفعول به في جمعية البدناء! متضرر، وهناك من هم أكثر مني تضرراً،
وهناك الأقل، ولكني أتحدث وأنا في قلب الابتلاء، وتعمدت ذلك حتى لا يصفني أحد من أصدقائي البدناء بالمنظّر الذي يريد الرقص على جراحنا عندما أتخلص - بإذن الله - من هذا المرض اللعين.
البدناء مساكين! نعم مساكين، وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية؛ فالنظرة لهم دونية، ولا يسلمون من المداعبات السخيفة وإطلاق النكات على شكلهم ومشيتهم وثقل أجسادهم، وأقل الكلمات قسوة عندما يقول لك أحد من الهياكل العظمية “يا دب”، هذه الكلمة الواقعة بين الشتيمة والوصف الفيزيائي للكتلة التي أمامه تستفز البدين الذي تزيده الكلمة ألماً وحسرة، وتشعره بالضعف.
ومساكين أيضاً لأن في داخلهم حباً ومشاعر وأحاسيس، يغطيها كتل الشحم، لا يقدرها المجتمع، ولا يتعامل معها، ويجعلون “السمين” مادة للتندر في مجالسهم، ويعتقدون أن كل البدناء ظرفاء، يجعلون الجلسات أكثر طراوة ومرحاً؛ لأن بدانتهم مدعاة للضحك والقهقهة!
السمين تتعمد جهات كثيرة إحراجه، وأولها وليس آخرها خطوط الطيران، ولا يوجد بدين لا يعاني من عذابات مقاعد الطائرات، وكثير من البدناء يضطرون للركوب في درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى، ويتكبدون مصاريف زائدة للسفر من مكان إلى آخر حتى لو كانت مقدراتهم المالية لا تسمح؛ لأن مقاعد الدرجة الاقتصادية “السياحية” مصممة لأصحاب القوام الرشيق! وتحرجهم المضيفة الحسناء وهي تعطيهم الوصلة الإضافية لربط حزام الأمان، وكأنها تعيرهم بشحومهم المتناثرة.
كما تتعمد الشركات المصنعة للسيارات تصغير أحجام سياراتها الأقل سعراً، وكأن الرشيق هو وحده المسموح له باقتناء السيارة الاقتصادية، ولا مجال للبدناء سوى شراء السيارات الكبيرة الأغلى! وكأنهم يقولون للبدين المسكين “يا تحشر نفسك في سياراتنا أو اذهب وبلط البحر”؛ ولأنهم يابانيون في الغالب، لا يعرفون أن أكثر من ثلثي سكان الخليج يعانون من السمنة. والإحصائيات وصلت إلى أرقام مرعبة، وأنها تحتل المراتب الأولى عالمياً بين الدول التي تعاني من هذا الداء.
لذا، يجب أن تتعامل الجهات كلها مع مريض السمنة على أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه حقيقة، وأطالب بمساعدة البدناء على التعايش مع مجتمعهم ومحيطهم، دون تكبيل أو انتقاص وتقليل، ولا مانع من النصيحة، ولكن في وقتها المناسب، فلا يوجد أثقل من الشخص الذي يوجِّه لك سؤالاً استنكارياً يشبه بلادة صاحبه “ما ودك تنحف”؟؟ لا يا شيخ!!
وفي السعودية 60 % من السكان يعانون من الوزن الزائد، والأعداد تتزايد، والأسباب عديدة، لكن أهمها النمط المعيشي والسلوك الغذائي والدهون التي تتشبع بها وجباتنا الغذائية، ونكاد لا نشبع من التهامها.
وللأكل حكايات في حياة البدناء، إلا أن هناك بدناء لا يأكلون بشراهة، ويعانون من الزيادة المفرطة، وتكون المسببات في الغالب طبية، إما لقصور في وظائف غدد، أو نقص في فيتامينات، وغيرهما من أمور يستطيع الأطباء شرحها. لكن السمنة التي تُعتبر بموجب تصنيفات منظمة الصحة العالمية مرضاً، يسبب تداعيات خطيرة، ليست داء لا دواء له؛ فبقليل من الاهتمام الحكومي والمجتمعي قد تنخفض تأثيراتها، وتقل أعداد ضحاياها، والوعي بالمشكلة مفتاح الحل.
وعن الحلول كنت أتحدث مع قريبي وصديقي الدكتور عمر العبيد، الاستشاري البارع في الجراحة، ومن الناجحين في علاج السمنة باستخدام جراحة المناظير، وكنت ألتقيه على مدى الأيام الثلاثة الماضية، ولا يحلو له الحديث عن السمنة إلا ونحن على مائدة الطعام؛ فأضاع لذة الطعام أكثر من مرة؛ فمع كل لقمة هنية أتلقى لكمة طبية من عمر، وكان ينصحني بإجراء عملية جراحية باستخدام المناظير، وهي عمليات منتشرة هذه الأيام، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: الربط بالحلقة، أي وضع حلقة على المعدة لتقليل الطعام الذي يدخلها. والتكميم، وهو قص جزء من المعدة لتصغيرها. والتحوير، وهو ربط المعدة بالأمعاء مباشرة. وعارضته مُصرًّا على أن لكل الجراحات آثارها النفسية على الأقل، والتأثيرات الأخرى التي تثير مخاوف كل أصدقائي البدناء، ويصرُّ عمر على أن العمليات أقل خطورة من السير في شوارع مدينة الرياض! وأنها أكثر نجاحاً - بإذن الله - مما يتصوره البعض. ومع اشتداد الحماس وارتفاع أصواتنا، وقف أمام الطاولة لمدة ليست قصيرة رجلٌ لم ننتبه له في البداية، طلب من الدكتور عمر إجراء العملية بأسرع وقت ممكن، وقال ضاحكاً: “هذا الرجل سمعني مرة واحدة واقتنع، وأنت تسمع مني طوال هذه المدة ولم تقتنع! المشكلة فيك يا أحمد وليست فيّ، الحمد لله”.
العملية حل لمن أغلقت الأبواب أمامه، ولأنها أيضاً تسهم في معالجة أمراض أخرى مؤذية كالسكري والكولسترول والضغط، لكنها غير مشمولة في التأمين الصحي، وتعتبرها المستشفيات الحكومية ترفاً، وهي في الحقيقة ليست ترفاً “ولا تحرق النار إلا رجل واطيها”.
للسمين الحق في أن يبقى سميناً؛ فهذه حرية شخصية، ولكن من حق نفسه عليه أن يرعاها، ويحافظ على سلامتها من أمراض ارتبطت بالسمنة. ولعل تجربة تركي الدخيل والصحفي الرائع هادي الفقيه وآخرين أعرفهم، استطاعوا أن يتغلبوا على السمنة، تجعل الحلم بالرشاقة مسموحاً.
لا أكتب هذا المقال وأنا أتمرن في نادٍ صحي، ربما أكتبه ويدي تلاعب طبقاً فيه ما لذّ وطاب من حلويات العيد.. الرجيم ابتداءً من الأحد كالعادة “مراعياً تغير العطلة الأسبوعية”.
وهناك الأقل، ولكني أتحدث وأنا في قلب الابتلاء، وتعمدت ذلك حتى لا يصفني أحد من أصدقائي البدناء بالمنظّر الذي يريد الرقص على جراحنا عندما أتخلص - بإذن الله - من هذا المرض اللعين.
البدناء مساكين! نعم مساكين، وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية؛ فالنظرة لهم دونية، ولا يسلمون من المداعبات السخيفة وإطلاق النكات على شكلهم ومشيتهم وثقل أجسادهم، وأقل الكلمات قسوة عندما يقول لك أحد من الهياكل العظمية “يا دب”، هذه الكلمة الواقعة بين الشتيمة والوصف الفيزيائي للكتلة التي أمامه تستفز البدين الذي تزيده الكلمة ألماً وحسرة، وتشعره بالضعف.
ومساكين أيضاً لأن في داخلهم حباً ومشاعر وأحاسيس، يغطيها كتل الشحم، لا يقدرها المجتمع، ولا يتعامل معها، ويجعلون “السمين” مادة للتندر في مجالسهم، ويعتقدون أن كل البدناء ظرفاء، يجعلون الجلسات أكثر طراوة ومرحاً؛ لأن بدانتهم مدعاة للضحك والقهقهة!
السمين تتعمد جهات كثيرة إحراجه، وأولها وليس آخرها خطوط الطيران، ولا يوجد بدين لا يعاني من عذابات مقاعد الطائرات، وكثير من البدناء يضطرون للركوب في درجة رجال الأعمال والدرجة الأولى، ويتكبدون مصاريف زائدة للسفر من مكان إلى آخر حتى لو كانت مقدراتهم المالية لا تسمح؛ لأن مقاعد الدرجة الاقتصادية “السياحية” مصممة لأصحاب القوام الرشيق! وتحرجهم المضيفة الحسناء وهي تعطيهم الوصلة الإضافية لربط حزام الأمان، وكأنها تعيرهم بشحومهم المتناثرة.
كما تتعمد الشركات المصنعة للسيارات تصغير أحجام سياراتها الأقل سعراً، وكأن الرشيق هو وحده المسموح له باقتناء السيارة الاقتصادية، ولا مجال للبدناء سوى شراء السيارات الكبيرة الأغلى! وكأنهم يقولون للبدين المسكين “يا تحشر نفسك في سياراتنا أو اذهب وبلط البحر”؛ ولأنهم يابانيون في الغالب، لا يعرفون أن أكثر من ثلثي سكان الخليج يعانون من السمنة. والإحصائيات وصلت إلى أرقام مرعبة، وأنها تحتل المراتب الأولى عالمياً بين الدول التي تعاني من هذا الداء.
لذا، يجب أن تتعامل الجهات كلها مع مريض السمنة على أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه حقيقة، وأطالب بمساعدة البدناء على التعايش مع مجتمعهم ومحيطهم، دون تكبيل أو انتقاص وتقليل، ولا مانع من النصيحة، ولكن في وقتها المناسب، فلا يوجد أثقل من الشخص الذي يوجِّه لك سؤالاً استنكارياً يشبه بلادة صاحبه “ما ودك تنحف”؟؟ لا يا شيخ!!
وفي السعودية 60 % من السكان يعانون من الوزن الزائد، والأعداد تتزايد، والأسباب عديدة، لكن أهمها النمط المعيشي والسلوك الغذائي والدهون التي تتشبع بها وجباتنا الغذائية، ونكاد لا نشبع من التهامها.
وللأكل حكايات في حياة البدناء، إلا أن هناك بدناء لا يأكلون بشراهة، ويعانون من الزيادة المفرطة، وتكون المسببات في الغالب طبية، إما لقصور في وظائف غدد، أو نقص في فيتامينات، وغيرهما من أمور يستطيع الأطباء شرحها. لكن السمنة التي تُعتبر بموجب تصنيفات منظمة الصحة العالمية مرضاً، يسبب تداعيات خطيرة، ليست داء لا دواء له؛ فبقليل من الاهتمام الحكومي والمجتمعي قد تنخفض تأثيراتها، وتقل أعداد ضحاياها، والوعي بالمشكلة مفتاح الحل.
وعن الحلول كنت أتحدث مع قريبي وصديقي الدكتور عمر العبيد، الاستشاري البارع في الجراحة، ومن الناجحين في علاج السمنة باستخدام جراحة المناظير، وكنت ألتقيه على مدى الأيام الثلاثة الماضية، ولا يحلو له الحديث عن السمنة إلا ونحن على مائدة الطعام؛ فأضاع لذة الطعام أكثر من مرة؛ فمع كل لقمة هنية أتلقى لكمة طبية من عمر، وكان ينصحني بإجراء عملية جراحية باستخدام المناظير، وهي عمليات منتشرة هذه الأيام، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: الربط بالحلقة، أي وضع حلقة على المعدة لتقليل الطعام الذي يدخلها. والتكميم، وهو قص جزء من المعدة لتصغيرها. والتحوير، وهو ربط المعدة بالأمعاء مباشرة. وعارضته مُصرًّا على أن لكل الجراحات آثارها النفسية على الأقل، والتأثيرات الأخرى التي تثير مخاوف كل أصدقائي البدناء، ويصرُّ عمر على أن العمليات أقل خطورة من السير في شوارع مدينة الرياض! وأنها أكثر نجاحاً - بإذن الله - مما يتصوره البعض. ومع اشتداد الحماس وارتفاع أصواتنا، وقف أمام الطاولة لمدة ليست قصيرة رجلٌ لم ننتبه له في البداية، طلب من الدكتور عمر إجراء العملية بأسرع وقت ممكن، وقال ضاحكاً: “هذا الرجل سمعني مرة واحدة واقتنع، وأنت تسمع مني طوال هذه المدة ولم تقتنع! المشكلة فيك يا أحمد وليست فيّ، الحمد لله”.
العملية حل لمن أغلقت الأبواب أمامه، ولأنها أيضاً تسهم في معالجة أمراض أخرى مؤذية كالسكري والكولسترول والضغط، لكنها غير مشمولة في التأمين الصحي، وتعتبرها المستشفيات الحكومية ترفاً، وهي في الحقيقة ليست ترفاً “ولا تحرق النار إلا رجل واطيها”.
للسمين الحق في أن يبقى سميناً؛ فهذه حرية شخصية، ولكن من حق نفسه عليه أن يرعاها، ويحافظ على سلامتها من أمراض ارتبطت بالسمنة. ولعل تجربة تركي الدخيل والصحفي الرائع هادي الفقيه وآخرين أعرفهم، استطاعوا أن يتغلبوا على السمنة، تجعل الحلم بالرشاقة مسموحاً.
لا أكتب هذا المقال وأنا أتمرن في نادٍ صحي، ربما أكتبه ويدي تلاعب طبقاً فيه ما لذّ وطاب من حلويات العيد.. الرجيم ابتداءً من الأحد كالعادة “مراعياً تغير العطلة الأسبوعية”.
Towa55@hotmail.com@altowayan