جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين بمناسبة عيد الفطر المبارك لهذا العام محذرة من الإرهاب ومؤكدة ضرورة التلاحم لمواجهته ونبذه من مجتمعنا الإسلامي الذي ينادي لإخراج العالم من غياهب الظلم والاستبداد
والجهالة، ويهديها إلى نور الحق والمساواة والعدالة، كما يحرص على رفع راية التسامح والتعايش ودعوة البشرية إلى البعد عن التناحر والشحناء وتوجيهها إلى التعاون والتضامن.
جاءت تلك الكلمة الضافية في وقت تمر فيه الأمة الإسلامية والعربية بأوقات عصيبة فأوضاع كثير من الدول مضطربة، منها ما يعاني من ظلم الجبارين حتى تجاوز عدد الأبرياء الذين قتلتهم يد الإرهاب المئة ألف ضحية، ومنهم من يعاني من البغي ومنها ما يعاني من الصراعات من أجل مصالح دنيوية وآخرين انتهزوا فرصاً هنا وهناك فاستباحوا قتل الأبرياء وروعوا الآمنين واتخذوا الإرهاب وسيلة للسعي نحو أهدافهم ومطامعهم.
في كل مكان تجد فيه إرهاباً تجد أن هناك فساداً كبيراً سبقه فالقضية مشتركة ويجب على الجهات المعنية التي حرصت على محاربة الفساد وقامت بتشكيل هيئة عليا لمحاربة الفساد أن تسعى في المقابل لمحاربة الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه، فكما أن الفساد يساهم في نشر الظلم والبغي وانعدام الأمن فكذلك الإرهاب الذي يساهم في قتل الأبرياء وترويع الآمنين وانتشار العنف والرعب في المجتمع.
ولا يقتصر الإرهاب اليوم على الأساليب التقليدية كاختطاف الطائرات أو السفن بالقوة أو احتجاز الركاب والاعتداء عليهم أو الاعتداء على الشخصيات الرسمية والرموز، أو الاستيلاء على الأموال وإشعال الحرائق أو القيام بتفجير المجمعات السكنية أو المراكز التجارية، بل هناك أنواع أخرى للإرهاب مثل إرهاب الحوادث المرورية وما ينتج عنه من ضحايا تفوق أحياناً ضحايا الحروب، وإرهاب الأخطاء الطبية التي قد تصل نسبة الضحايا فيها إلى نسب مرتفعة تتجاوز المعدلات الطبيعية، وإرهاب الإعلام الذي أصبح يصنف المجتمع فمن ليس معه فهو ضده، وإرهاب المرأة والطفل لعدم المطالبة بالحقوق الخاصة بهم، والإرهاب الإلكتروني الذي أصبح وسيلة شائعة للابتزاز، خصوصاً ضد النساء وغيرها من صنوف الإرهاب التي يعاني منها الكثير من أفراد المجتمع.
ومن صنوف الإرهاب الجديدة ما أصبح يسمى بظاهرة الإرهاب الفكري الذي يعمد إلى قلب الحقائق بحيث يصبح الحق باطلاً والباطل حقاً والمعروف منكراً والمنكر معروفاً وأصبح ينادي بمعاقبة الأخيار وترك المفسدين والفجار واتهام المعتدلين بأنهم عملاء وترك المتطرفين والنظر إليهم بأنهم شرفاء وترى كل ذلك يتم من خلال غطاء ديني تارة، ومن خلال غطاء وطني تارة أخرى وهكذا ينتشر مثل هذا الإرهاب الفكري ليصل إلى عقول الجهلاء من عامة المجتمع والمغرر بهم ليعمل على تجنيدهم ليكونوا بين يوم وليلة من الإرهابيين الذين يعمدون إلى التكفير والتفسيق وغيرها من مظاهر الإرهاب الفكري المختلفة.
إن محاربة الإرهاب اليوم يجب ألا تنحصر في مجال دون آخر بل يجب أن تكون محاربة شاملة يتم من خلالها استهداف كل أنواع الإرهاب بما في ذلك إرهاب المجالات الاجتماعية والاقتصادية وقد يتطلب هذا الأمر إنشاء هيئة لمكافحة الإرهاب بأشكاله وأنواعه المختلفة على أن يكون أولى مهامها هو تقديم التعريف الحقيقي للإرهاب وكذلك التعريف الحقيقي للإرهابي الذي كثيراً ما تنسب له صفة الإسلام، مما أدى إلى تقديم صورة مشوهة وسلبية عن المسلمين والإسلام في شتى أنحاء العالم.
إن وجود مثل هذه الهيئة لن يساهم فقط في محاربة الإرهاب بل وسيدعم الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع رجال الأعمال للعمل في بيئات آمنة وجذب رؤوس أموال من الخارج وتنشيط السياحة واستتباب الأمن في كافة أرجاء الوطن، ويكون بهذا الدور مكملاً لدور هيئة مكافحة الفساد لنكون في وطن آمن مطمئن ينعم أهله بالاستقرار والأمان.