إذا كان ثمة ما يميز الفترة التي نعيشها فهو السرعة غير المسبوقة في تطور الأحداث وتسارعها وفي توفر المعلومات وسهولة الوصول إليها وبالتالي تغير في مفاهيم ومتطلبات العصر ومستجداته.
لعل من أهم معطيات هذه الفترة هي زيادة فاعلية الزمن وأثره في الأداء وفي اكتساب المعارف والخبرات. فما كنا نتعلمه في القرن الماضي في سنوات عدة أصبحنا نكتسبه في أيام بل قل في ساعات أو دقائق. تشير بعض الدراسات إلى أن مقدار المعلومات الجديدة التي ظهرت في الثلاثين عاماً الأخيرة يزيد عن كل المعلومات التي ظهرت في الخمسة آلاف سنة الماضية، وأن عدداً واحداً من جريدة نيويورك تايمز يحوي معلومات أكثر مما كان شخص في القرن السابع عشر في إنجلترا يمكن أن يعرفه في حياته كلها. أصبح الزمن أكثر تأثيراً من ذي قبل وقلت الحاجة إلى الحركة الحسية للحصول على المعلومة أو لأداء بعض الأعمال.. تردك المعلومة وأنت في مكانك أو بيتك، وتصل إليك مستحقاتك وأنت في ذات المكان وتبيع وتشتري في الوقت نفسه وفي المكان نفسه بل تقوم بإجراء عدد من الفحوصات الطبية على بدنك وأنت بمنأى عن المصحات الطبية، وتتخذ قرارات إستراتيجية, يتم تنفيذها في مكان يبعد عنك آلاف الأميال. كل ذلك يحدث وفي زمن قياسي ومن خلال جهود متواضعة ومحدودة..
هذا شيء جميل ومفرح ولكنه في الوقت ذاته يمثل لنا تحديات غير مسبوقة, أي أننا نحتاج إلى فكر جديد.. فكر يستطيع قراءة معطيات العصر ومستجداته ومتغيراته وفاعلية الزمن وأثر التغيرات التنموية من اقتصادية وإدارية واجتماعية وتقنية الخ وأبعادها, ومن ثم يستطيع التعايش معها وتوظيفها التوظيف الأمثل بل والتأثير فيها.
ومن هنا، فإن علينا التسليم بأننا إذا ما أردنا أن نحول تلك التحديات الى فرص فإن علينا القبول بمبدأ التغيير، أعني تغيير المسلمات الإدارية والاقتصادية التي سادت أداءنا الإداري في الأجهزة التنفيذية خلال الفترة الماضية.. لا يمكننا التعامل مع المستجدات الحالية بما لدينا من معطيات الفترة السابقة ولا يمكننا استخدام مفاهيم وآليات العمل السابقة للتعامل والتعايش مع معطيات الفترة الحالية, يقال: «إن الذي أوصلك الى ما أنت فيه لن يوصلك الى ما تبتغيه». لم يعد كافياً أن نقرأ الماضي لنتعايش مع الحاضر أو أن نستشرف المستقبل لنستجيب لأحداثه, بل إن الأمر يتطلب أكثر من ذلك.. علينا أن نساهم في صياغة المستقبل ذاته ونصبح جزءاً من صانعيه ونؤثر فيه لا أن ننتظر أحداثه ونحاول بأسلوب ردود الأفعال أن نتعايش معها. تقول السيدة أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية «لم يعد السؤال هو هل نتغير أي نقبل التغيير أم لا وإنما هل نحن نتغير بالسرعة المطلوبة».
وخلاصة القول إن متغيرات الفترة ومستجداتها أدت إلى تغيير جذري في المتطلبات الاجتماعية وآلية المطالبة بها. وبالتالي فإن الأجهزة التنفيذية في القطاع العام والخاص مطالبة هي الأخرى بالتعديل بل وإحداث تطوير جذري في آلية أدائها لتتمكن من الاستجابة لتلك المستجدات بالفاعلية والكفاءة المناسبة.
كل هذا يقودني الى القول إن التغيير أصبح ضرورة لا خيار إذا ما أردنا أن نحقق لأنفسنا وللأجيال القادمة الخير والنماء بإذن الله.. التغيير المقصود هنا هو التغيير الإيجابي في المفهوم وفي الآلية معاً. تغيير في تفكيرنا وقراءتنا لما يجري من حولنا, تغيير في منهج اقتصادنا وإدارة مواردنا واستثمارها بطريقة تحاكي معطيات العصر ومتطلباته ومستجداته, تغيير في أسلوب إدارتنا للمال العام. تغيير في أدائنا لأعمالنا وإدارتنا لتنفيذ برنامجنا ومشاريعنا وفي تعاملنا مع قضايانا الاجتماعية ومتطابات مجتمعنا الشبابي، تغيير في تقديم خدماتنا العامة .....الخ.
أي أننا مطالبون بالعمل على إحداث تطوير جذري في المفهوم وفي الآلية معاً.
وباختصار، فإن الذي أردت أن أطرحه هو التذكير بأهمية الوقوف قليلاً مع النفس ومراجعة مفاهيمنا وآليات عملنا في ضوء مستجدات المرحلة, وكما قيل، إذا كنت لا تعلم إلى أين أنت ذاهب فلا يهم أي طريق تسلك.
وأقول إن وضوح الطريق يطمئن الفريق.
والله ولي التوفيق
@falsultan11