|
الجزيرة - عبد الله الفهيد:
اتفق خبراء في التطوير العقاري، على أهمية إشراك القطاع الخاص لحل مشكلة السكن، معتبرين أن اضطلاع وزارة الإسكان بتنفيذ المشاريع بشكل مباشر مكلف وغير عملي، وهو أمر في غاية الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.. ولفت الخبراء في لقاء حضرته «الجزيرة» إلى أن المطور العقاري يمكن أن يكون سنداً قوياً للوزارة وللدولة بشكل عام في حل المشكلة من خلال عدة صيغ استثمارية، من بينها تخصيص بعض المواقع الإسكانية وطرحها للمطورين العقاريين ليتولوا تنفيذها، وكذلك تقديم التمويل وتسهيل استيراد المواد ووضع حزمة محفزات استثمارية للمطورين العقاريين.
سلمان بن عبد الله بن سعيدان قدَّم عرضاً عن واقع التطوير العقاري وأبرز المشاكل التي تواجه توفير المسكن، مثل الخدمات، وتعدد الجهات المسؤولة عن السكن، وقلة المقاوليــن المؤهلين، وصعوبات سوق العمل والأنظمة والتشريعات، لافتاً إلى أن التطوير العقاري قائم على مجموعة من العناصر، أبرزها الدراسات والتي تشمل (دراسات مالية، وفنية، واجتماعية)، كذلك التمويل ومنه تمويل ذاتي وتمويل تجاري على شكل قروض من البنوك، وهناك نوع من التمويل وهو المشاركة مثل الصناديق العقارية، مع التأكيد على أهمية وضرورة مشاركة الدولة للتمويل.
وقال إن من ضمن أعمدة التطوير العقاري «التنفيذ» ويشمل الجودة والضمانات، فيما يأتي التسويق كأحد الأعمدة الرئيسة في التطوير العقاري والذي يشمل (المبيعات، والإدارة، والتشغيل، والصيانة)، مؤكداً أن جميع الشركات والمطورين يُناط بهم هذه الأسس التي تصب في خدمة الوطن و المواطن، والتي تأتي كأحد حلول مشكلة الإسكان في المملكة.
تفكير خارج الصندوق
الدكتور فيصل الفديع الشريف قال: «لا شك أن الجهود التي تبذل لحل مشكلة الإسكان في المملكة تُعتبر جهوداً جبارة حيث رُصدت الميزانيات الضخمة وشكّلت الجهات التي تتولى هذه المسئولية».. لكن هذه الجهود - والحديث للشريف - تحتاج إلى تفكير من نوع غير تقليدي يخرج عن المألوف والمتعارف عليه وما جرت عليه العادة واللجوء إلى الحلول الإبداعية والابتكارية التي تهدف إلى حل المشكلة من جذورها وليس إلى تفاصيل لا تفيد بقدر ما تعرقل، حلول وصفها الشريف بـ «الإبداعية» تطبق مبادئ الإدارة بالأهـــداف وآليات إدارة المشاريع التي تركز على الأهداف الأصلية بغض النظر عن الطرق والقوانين القائمة.
القطاع الخاص.. شريك
وبيَّن الدكتور الشريف أن هذه الحلول تعتمد على إشراك القطاع الخاص في حل مشكلة السكن، باعتباره صاحب الريادة والتجربة والخبرة وما يملك من خبرات إدارية ومالية جيدة يجب استثمارها لتحقيق الأهداف المرجوة لمعالجة حاجة مُلحة يزيد من حجمها نمو سكاني كبير ونقص في الإمكانيات وعوائق في النظم والقوانين.. ولفت إلى أن نسبة الشباب تصل 70% من عدد السكان، وهذا يعني حاجة مستقبلية كبيرة للوحدات السكنية ومشاريع الخدمات.. وإذا استمرت الحلول التقليدية فإن المشكلة لن تنتهي.
ويرى الشريف أن أحد الحلول الممكنة هو المشاركة مع قطاع التطوير العقاري وتسهيل السـبل التي تساعده بمنحه الأراضي مثلاً ليقوم بتطويرها حسب متطلبات وزارة الإسكان، وبهذا تؤصل الوزارة دورها كمنظم ومتحكم وفتح المجال للقادرين على التطوير والتنفيذ حسب أنظمتها وقوانينها.
الوزارة لن تحل المشكلة
المهندس عبد العزيز بن خالد الرشيد، قال إنه لا يختلف كثيراً عن آراء الشريف، مشدداً على أن الوزارة ليس بمقدورها منفردة حل أزمة السكن واصفاً ذلك بـ «الخطأ الكبير»، وتساءل عمن يحلها؟ وأجاب: الحل يكمن في توزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص، ثم توزيع أدوار القطاع العام على جهات ذات علاقة مباشرة بالإسكان مثل البلديات، الكهرباء، المياه، وبالتالي يتم تفريغ وزارة الإسكان لعمل التشريعات والأنظمة والتنسيق فيما بين القطاعات الحكومية والقطاع الخاص، مفصحاً أن وزارة الإسكان تقمصت دور المقاول ووضعت السكن في إطار المشتريات الحكومية والمنافسات، وبالتالي إدارة المشاريع الخاصة بها بنفس فكر وإدارة أي مشروع حكومي.
ولفت المهندس الرشيد إلى أهمية تقديم التمويل وتسهيل استيراد مواد البناء مع وضع حزمة محفزات استثمارية للمطورين العقاريين، مؤكداً في الوقت نفسه على وجوب النظر بشكل أوسع من أن ارتفاع أسعار سواء الأراضي أو المباني ليس مرهوناً فقط بالأراضي، بل الأمر يتعلق وبشكل مبــاشر بارتفاع أسعار الأيدي العاملة وكذلك مواد البناء وهو ما نلحظه بشكل واضح، فمواد البناء في ارتفاع والعمالة ترتفع أسعارها، ولا بد من نظرة شمولية لذلك وبحث المسببات وبالتالي معالجتها.
مشروع خاص
وزاد المهندس الرشيد أنه يجب أن تُعامل مشكلة الإسكان على أنها مشروع خاص، بحيث يوضع لها نظام خاص، تتضمن بعض لوائحه تسهيلات للإجراءات، وتسهيل توفير العمالة، والسماح بالاستيراد من الخارج بدون رسوم وغيرها من التسهيلات التي تسهم «بحول الله» في التحرك وتوجيه البوصلة في الاتجاه لحل مشكلة تتفاقم مثل كرة الثلج ما لم يتم تدارك الوضع بأسرع وقت ووفق تنظيمات تحقق الهدف الذي تنشده الدولة عندما سعت لحل المشكلة بإنشاء وزارة الإسكان.
مشكلة إستراتيجية
الدكتور خالد بن محمد الصقر، اتفق مع سابقيه وقال: يجب أن تتعامل الوزارة مع مشكلة الإسكان على أنها مشكلة إستراتيجية تخص بلداً بالكامل ولا تخص الوزارة بمفردها, لذلك لا بد أن يتم النظر إليها بمنظار مختلف عن بقية المشاريع الحكومية الأخرى، فالوزارة لن تستطيع حلها ما لم يكن هناك مشاركة فعالة ودخول إيجابي من قبل القطاع الخاص ممثلاً بالمطورين العقاريين.
وقال: إذا أردنا حل مشكلة الإسكان، فيجب أن تكون المسؤولية مقسمة بين طرفين (الحكومة) ممثلة في وزارة الإسكان والقطاع الخاص، وبالتالي لا بد أن يكون لكل طرف نظام خاص به للتعامل مع المشكلة وحلها، وتابع: الوزارة عليها أن تساهم بشكل فعَّال في مشكلة الإسكان ولا بد لها أن تتعامل مع المشكلة خارج نطاق نظام المشاريع الحكومية ونظام تأمين المشتريات الحكومية وعقد الأشغال العامة، وذلك يعني إستراتيجية مختلفة ونظاماً مختلفاً وخاصاً بالإسكان (كما حدث مع نظام المستثمر الأجنبي مثلاً) ولا يجب أن تتعامل مع المشكلة بالنظام التقليدي للمشاريع الحكومية وما يصاحبه من بيروقراطية وطول إجراءات وتأخير تنفيذ مشاريع وتعثرها.
التطوير العقاري
الطرف الثاني في المشكلة وفقاً للدكتور الصقر هو القطاع الخاص (التطوير العقاري) حيث لا بد للوزارة والجهات المسؤولة مـــن إيجاد نظام يحكم العلاقة بين الوزارة ومشاريعها مع القطاع الخاص ومشاركته الإيجابية لحل هذه المشكلة بأسرع وقت، متسائلاً عن السبب وراء تأخر السماح للقطاع الخاص بالمساهمة في حل مشكلة الإسكان؟. وطالب الصقر بإيجاد نظام محفز ومشجع لمشاركة هذا القطاع ومنحه الكثير من التسهيلات المالية والإدارية وتسهيل إجراءات عمله في هذه المشاريع ليساهم بشكل فعَّال (عن طريق المطورين العقاريين) في حل هذه المشكلة، فأغلب بلدان العالم حلّت مشاكل الإسكان بهذه الطريقة.
موضوع شائك
المهندس عبد العزيز العامر، أكد خلال طرحه في اللقاء أن من إحدى المشاكل الرئيسة عدم توفر الأرض المناسبة للسكن، قاصداً بكلمة المناسبة «أي توفر الخدمات الأساسية» مثل (الكهرباء، المياه، والسفلتة)، مستدركاً في حديثه أن تلك الخدمات تتعدد فيها الجهات المسؤولة عنها مثل شركة الكهرباء وشركة المياه والبلديات وكل جهة لها إستراتيجيتها ومشاكلها الخاصة بها.
واختتم المهندس العامر بقوله: «إن تلك الخدمات الأساسية وهي الكهرباء والمياه لا تكفي حالياً المنازل القائمة فكيف سيكون الحال للأراضي التي سيُبنى عليها مساكن، خصوصاً ونحن لدينا معدل سكاني كبير يتطلب احتياجات كبيرة مستقبلاً من السكن.
تعقيدات وأنظمة وعقود
المهندس سعد الشعيل شدد على أن وزارة الإسكان لم ولن تفي بالخطط التي يتطلع لها الوطن والمواطن بموجب المعطيات والدراسات السكانية الحالية والتعقيدات في أنظمة عقود المشتريات الحكومية التي أسهمت في فشل خطط الوزارة، واقترح على الوزارة وجوب الاستفادة من تجارب المؤسسات الحكومية في تشريع أنظمة المشاركة للقطاع الخاص وشركات التطوير العقاري في شراكات إستراتيجية مع الوزارة لتكون الوزارة في موضع المشرّع والمراقب والضامن واختيار شركات تطوير عقاري مؤهلة.
من جانبه أوضح المهندس عبد العزيز العريني في مداخلته أنه ومع هذه التحديات نجد أن وزارة الإسكان تقف عاجزة عن تقديم حلول ناجحة ومنتجات سكنية مقبولة خلال الخمس سنوات الماضية من عمر الوزارة.. حيث بلغ عدد الوحدات السكنية تحت الإنشاء ما يقارب 48000 وحدة سكنية في جميع مناطق المملكة ونسبة الإنجاز في تلك المشاريع وللأسف الشديد لا تتجاوز ما نسبته 10% وفقاً لأكثر المؤشرات تفاؤلاً، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود العديد من الملاحظات الفنية على التصاميم والإنشاء، وقال: الإجراءات التي قامت وزارة الإسكان باتخاذها في حل أزمة الإسكان في المملكة زادت من حجم الأزمة، حيث تولت وضع التصاميم الهندسية لمواقعها، ولعبت بشكل رئيس دور المقاول والاستشاري لتنفيذ آلاف الوحدات السكنية في جميع مناطق المملكة.
وذكر العريني أنه كان الأولى بوزارة الإسكان أن تستفيد من تجارب الدول المتقدمة في مبادرتها لمعالجة مثل تلك الأمور والأزمات، وأن يقتصر دورها على وضع التشريعات والنظم والمتطلبات والمعايير، وتترك للقطاع الخاص
والقطاع العقاري العنان في إيجاد حلول سكنية تواكب تطلعات المواطن السعودي، حيث إن القطاع الخاص يجيد الاستفادة من خبراته وإمكانياته مع تقديم أفضل المنتجات السكنية وبأقل التكاليف مع مراعاة المواصفات القياسية.