أبا خالد لا تبعد فكل فتى
يوماً رهين صَفِيحاتٍ وأعوادِ
في كل يوم لنا ميت نشيعه
نرى بمصرعه آثار موتانا
لا شكَّ أنّ طريق الموت آهلٌ بقوافل الراحلين إلى الدار الباقية دار النعيم المقيم، ولا سيما في الآونة القريبة من هذا الزمن لتنوُّع الأمراض، وكثرة الحوادث بأنواعها ومسبباتها وكل ذلك بمشيئة الله وتقديره..، ولن تموت نفس حي تستكمل رزقها وأجلها فالسعيد من يرحل بزاد من التقوى:
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له
من الله في دار المقام نصيبُ
ففي تمام الساعة الواحدة من ليلة الأحد 11-10-1434هـ، انتقل إلى رحمة الله الأستاذ الفاضل سليمان بن عبد الرحمن المشعل على إثر مرض لم يمهله طويلاً، بعد حياة حافلة بالأعمال الصالحة، وحسن التعامل مع الغير، ومع محيطه الأسري وسائر الجيران، ومعارفه الكُثُر..، وقد أديت عليه صلاة الميت بجامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة عصر يوم الأحد 11-10-1434هـ، ثم تبعه خلق كثير إلى محافظة حريملاء حيث وُوري جثمانه الطاهر تحت طيّات الثرى بمقبرة «صفيه» مَرقد الراحلين..، - رحمه الله رحمة واسعة -.
وقد كانت ولادته في مدينة حريملاء.. ثم انتقل مع والده في طفولته إلى الخرج، بعد أن ترك إمارة حريملاء، حيث كان أميراً لها وله مواقف مشرفة بها، كما أنه يتصف بالحزم والهيبة وبالكرم المتناهي، وقد كان سليمان اليد اليمنى في أعمال والده في الإشراف على أملاك آل سعود، وقف الإمام عبد الرحمن الفيصل بحي السلمية بمزارع «فرزان».. حتى تقاعد والده، ثم انتقل هو إلى ديوان وزارة المالية فعمل بها فترة من الزمن.. حتى اختاره سماحة الشيخ ناصر بن حمد الراشد الرئيس العام لتعليم البنات - رحمه الله -، ليكون مندوباً لتعليم البنات في مدينة الخرج، وبرفقته أخوه الراحل عبد العزيز الذي سبقه إلى رحمة الله، وافتتح أول مدارس لتعليم البنات بمدينة الخرج وضواحيها، واستمر في الإشراف على هذا المرفق التعليمي حتى تعدّدت المدارس، وكان يستقبل أصحاب الفلاحة بمنزله خارج الدوام الذين لم تمكنهم ظروفهم للمراجعة أثناء الدوام الرسمي لانشغالهم بأعمال الزراعة، وكل ذلك تطوعاً منه واحتساباً للأجر من رب العباد، وهذه الصفة المحمودة قلّ أن يزاحم فيها - تغمّده المولى بواسع رحمته ـ وظل يطور مرافق تعليم البنات هناك، حتى تم على يده افتتاح إدارة تعليم البنات في مقرها بمدينة السيح إلى أن تقاعد حميد السيرة والسجايا، ويعتبر من الوجهاء بمنطقة الخرج، وله حضور بارز في كثير من المناسبات في الخرج وفي حريملاء مهوى رأسه، وكان له مزارع ومصانع إنتاج جيد التمور بالخرج، يهدي ويتصدق منها بسخاء تصل إلى الحرمين الشريفين، وإهداءات تصل جميع محبيه وأقاربه في بداية الموسم وفي نهايته، ويسوّق الفائض من إنتاج التمور في الداخل وحتى في بعض مدن الخليج، فهو حسن التعامل صدقاً ووفاءً، والمجال لا يتسع لعدّ بعض صفات ومحاسن - أبو خالد - فهو رغم بعده بمنطقة الخرج، يسهل عليه الحضور في مناسبات الأفراح، وقد استقيت بعض هذه المعلومات من الأخ الفاضل رحيمه وابن عمه - أبو سليمان - الأستاذ الصديق عبد العزيز بن محمد المشعل، وقد خلّف ذرِّية صالحة ابنه البار الأديب رجل الأعمال خالد، كما خلّف مجموعة من البنات بعضهن يحملن شهادة الدكتوراه ويعملن في مجالات التربية والتعليم..، وكان لرحيل أبي خالد المفاجئ وقعٌ مؤلمٌ جداً في نفوس إخوانه الدكتور إبراهيم عضو مجلس الشورى سابقاً، ومعالي الدكتور محمد رئيس هيئة الغذاء والدواء، والمهندس مشعل وشقيقته أم سليمان بن عبد العزيز المشعل بل وجميعبناته وابنه خالد وأسرته، ولا سيما عقيلته أم خالد التي حزنت عليه حزناً عظيماً سيظلُّ مساوراً لها، وكأنّ الشاعر العربي يعنيها بهذا البيت:
فكل قرينة لا بد يوماً
سيشعب إلفها عنها شعوبُ
رحمه الله رحمة واسعة، وألهم ذويه وجميع أُسرته الصبر والسلوان.
- عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف