تحاول أمريكا أن تكون الدولة الأكثر استخداما لورقة حقوق الإنسان أمام العالم، بل ويتملكك العجب، عندما تملأ الدنيا ضجيجا، وهي تتحدث عن شعارات حقوق الإنسان، والتي كان من آخرها، حين تم القبض على - مرشد الإخوان - محمد بديع،
بأن ذلك: «لا يتماشى مع المعيار الذي نتوقعه بتمسك الحكومات باحترام حقوق الإنسان».
يأتي الاحتجاج الأمريكي السابق، بعد أن أضحت دماء الناس تحت رحمة الجندي الأمريكي في عدد من دول العالم، والذي يدير عمليات القتل فيها من غرف بعيدة؛ من أجل انتهاك حقوق الإنسان، وكرامته الآدمية، بل وامتهان لكل القيم الإنسانية. وتأمل على سبيل المثال : كيف أن القضية الفلسطينية ، استخدمت فيها أمريكا الفيتو 72 مرة في الفترة من 1968م، إلى 1998م؛ لإجهاض قرارات تتعلق بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني .
ومثل ذلك - أيضا -، حين عمدت أمريكا إلى تطبيق نموذجي في الحرب، وانتهكت من خلالها الشرعية الدولية، التي أطلقتها بعد هجمات 11 سبتمبر، تحت مسمى: «الحرب على الإرهاب»، والتي بدأت باحتلال أفغانستان في نوفمبر 2001 م، ثم احتلال العراق في أبريل 2003م. وباستخدام العنف في تلك الدولتين، وبشراهة غير مسبوقة؛ لسفك الدماء. حيث تشير التقارير الدولية، أنه منذ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، ما يزال 600 أسير دون اتهام، أو محاكمة في قاعدة «غوانتانمو البحرية الكوبية»، وترفض واشنطن أن « تعترف لهم بوضعية سجناء الحرب عملا بمعاهدات جنيف، أو أن تقر لهم بحقوق أخرى، تنص عليها المعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان». وفي الولايات المتحدة - نفسها - هناك حوالي 1200 أجنبي، غالبيتهم من أصول عربية، أو آسيوية جنوبية، أوقفوا في سياق التحقيقات المفتوحة حول هجمات الحادي عشر من سبتمبر».
ويؤكد تقرير لمنظمة «مرقب حقوق الإنسان» الأمريكية، والصادر في يوليو 2003م، تحت عنوان : «قتلكم سهل علينا «، على تورط الحكومة الأمريكية، أو تآمرها في جميع التجاوزات الحاصلة عمليا في جميع أقاليم جنوب أفغانستان. فالخروقات الواسعة لحقوق الإنسان، وحال الانفلات الأمني، هي في جزء كبير منها ؛ نتيجة قرارات، وممارسات، واعتقالات، مسئولة عنها الحكومة الأمريكية، وسائر حكومات قوات الاحتلال، وبعض عناصر الحكومة الأفغانية الانتقالية. وينتقد التقرير تعاون قوات الاحتلال الأمريكي مع أمراء الحرب المتهمين بأسوأ الانتهاكات.
أما فيما يتعلق بالعراق، فقد اتهم تقرير لمنظمة العفو الدولية في يوليو الماضي، قوات الاحتلال الأمريكية بارتكاب انتهاكات شديدة جدا لحقوق الإنسان في العراق، وشكت من منعها من الاتصال بآلاف السجناء العراقيين المحتجزين في ظروف سيئة دون توجيه اتهام . وقالت جوديت اريناس ليشيا - المتحدثة باسم المنظمة - : « أصبنا بخيبة أمل ؛ لأن حقوق الإنسان استخدمت كمبرر لشن حرب في العراق، - والآن - يتعرض العراقيون لانتهاكات لحقوق الإنسان». كما نددت بالأوضاع في مراكز اعتقال، من بينها: سجن أبو غريب».
وحذرت منظمة العفو الدولية، من أن : «الظروف التي يحتجز فيها الأسرى العراقيون، يمكن وصفها، بأنها: قاسية، ولا إنسانية، ومهينة ، على نحو تحظره القوانين الدولية «. وقالت المنظمة: «إن المئات من الأسرى معتقلون في معسكرات أقيمت في العراء، ولا يوجد بها خطوط مياه عذبة، أو صرف صحي ، ومحرومون من حق الاستعانة بمحامين للدفاع عنهم «. كما قالت المنظمة: «إن أيدي الأسرى كبلت بقيود ضيقة للغاية، مصنوعة من البلاستيك، أحدثت جروحاً لم تختف آثارها بعد مرور شهر على أسرهم».
واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر في 12 ديسمبر الماضي، أن المئات من الوفيات التي وقعت في صفوف المدنيين في إطار الغزو العسكري للعراق، الذي تم بقيادة الولايات المتحدة، كان بالإمكان تجنبها، بالتخلي عن أسلوبين تكتيكيين غير صائبين . وأشارت إلى : « أن استخدام الذخائر العنقودية في مناطق آهلة بالسكان، كان هو أكبر العوامل التي أسفرت عن وقوع خسائر بشرية في صفوف المدنيين، أثناء قيام قوات الاحتلال بالعمليات الحربية الرئيسة في شهري - مارس وأبريل - ؛ فقد استخدمت القوات الأمريكية، والبريطانية نحو 13000 من القنابل، والقذائف العنقودية، التي تحتوي على قرابة المليونين من القنيبلات، مما أسفر عن سقوط أكثر من 1000 مدني بين قتيل، وجريح .
هل سيحق لأمريكا بعد ذلك، أن تتحدث عن حقوق الإنسان ؟، أو أن تتشدق بمصطلحات القوانين الدولية، التي انتهكتها بحق الأبرياء؟. وللإجابة عن هذا التساؤل المشروع، فإنه بقدر من الإنصاف، وبقدر ما سجلت أمريكا سبقا تاريخيا في انتهاك حقوق الإنسان في الخارج، فقد سجلت في الداخل الأمر نفسه . وهذا المنحى الخطير، هو ما يؤكده أحد المحللين، بأن : « الولايات المتحدة أكثر الإمبراطوريات دموية في التاريخ .. كانت هي الأكثر وقاحة بين نظيرتها في استخدام حقوق الإنسان، كمبرر لتلك الدموية غير المسبوقة « . ومثل هذا القول، يؤكده - المفكر الأمريكي - ناعوم شومسكي، من وجهة النظر القانونية: «بأن هناك ما يكفي من الأدلة ؛ لاتهام كل الرؤساء الأمريكيين - منذ نهاية الحرب العالمية -، بأنهم مجرمو حرب ، - أو على الأقل - متورطون بدرجة كبيرة في جرائم حرب».
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية