المنقذ هو الذي يجلس عند بِرْكة السباحة لينقذ الذين يصارعون الغرق .. في عام 1985م في أمريكا أقام عشرات المنقذين حفلاً بمناسبة انتهاء الصيف وعدم غرق أيّ شخص في المناطق التي يتولّون حمايتها، وأثناء الحفل ... غرق رجل! كان الرجل لا يعرف السباحة، ورغم وجود 100 منقذ في هذا الحفل وتكليف 4 منقذين بمراقبة بِرك السباحة، إلاّ أنّ الغريق لم ينتبه له أحد.
هذه ظاهرة غريبة درسها علماء النفس اسمها المسؤولية المشارَكة، وهي أحد أوجه مبدأ اسمه «الدليل الاجتماعي» وهو عندما نستدلّ على صحة شيء بمراقبة تعامل الناس معه. في الشوارع والأماكن العامة نحن ننظر لغيرنا لنعلم كيف نتصرّف، ولو كنتَ في سوق مثلاً ورأيت شخصاً يتصرّف بغرابة ويرفع صوته، فقد تشعر بالقلق والتوتُّر، ولكن إذا التفتّ حولك ورأيت الناس يمرّون حول هذا الغريب بلا اكتراث فهذا سيطَمْئنك. لكن من أسوأ أوجه هذه النقطة أنها يمكن أن تكون سلبية، مثل ظاهرة المسؤولية المشارَكة المذكورة، ففي المواقف التي يكثر فيها المارة والناس وحصل شيء (مثلاً شخص يصاب بوعكة صحية خطيرة) فإنه كلما زاد عدد الناس المتواجدين حول المصاب قلَّت احتمالات أن يقوم أحدهم بمساعدته، بينما لو لم يكن حوله إلاّ شخص أو شخصان مثلاً، لزادت احتمالات أن يقوم أحدهم بمساعدته أو الاتصال بالإسعاف. لو كان شخص يسير بسيارته في يوم من الأيام، ورأى حادثاً خطيراً في شارع كبير، فالاحتمال الأعلى أنه لن يفعل شيئاً، لأنه سيعتقد أنّ أحد الناس الموجودين حول الحادث يتصل بالإسعاف أو يحاول إنجاد المصابين بنفسه، ولكن هنا الوجه السلبي لهذه الظاهرة: إنّ غالبية الناس المتواجدين حول الحادث يعتقدون نفس الشيء! كل شخص يعتقد أنّ شخصاً آخر سيقوم باللازم، ولاحظ الدارسون أنه كلما زاد عدد الناس حول حادث، قلّت احتمالات أن يساعد أحدهم المصابين، وكلما قلّ الناس زادت احتمالات أن يهبّ أحدهم لنجدة المحتاجين. وهذا الموقف حصل لروبرت تشيلديني كاتب كتاب «التأثير» الذي تحدَّث عن هذه الظاهرة، فقد كان ذاهباً ذات يوم بسيارته ولما اقترب من إحدى الإشارات المرورية ارتطم بسيارة أخرى، وكان حادثاً قوياً، فخرج مترنّحاً وقد كسا الدم ثيابه، ونظر للسائق الآخر فإذا به فاقد الوعي وقد سقط رأسه على عجلة القيادة. إنه موقف طارئ ويستدعي مساعدة فورية. نظر إلى السيارات الواقفة بجانبه فإذا بهم ينظرون إليه بلا كبير اهتمام، ولما اخضرّت الإشارة مشوا واحداً تلو الآخر، حينها قال لنفسه «ربّاه! إنها تلك الظاهرة تحصل لي الآن!»، ولحسن حظه كان على علم بهذه الظاهرة بحكم تخصُّصه في علم النفس الاجتماعي، ولهذا أدرك أنه لو صاح: «النجدة!» للجميع لن يجدي نفعاً، لأنّ الكل سيظنّ أنّ غيره هو الذي سيستجيب للنداء، ويعطينا روبرت الحل في هذه المواقف، فالذي فعله أنه التفت إلى شخص معيّن وقال له «كلِّم الرطة!»، والتفت إلى شخصين آخرين وقال لكلٍّ منهما: «توقّف! نحن في حاجة للمساعدة!»، فماذا حصل؟ أتت النجدة فوراً. الأول هاتف النجدة فحضروا لموقع الحادث، والاثنان الآخران أخذا بعض الأقمشة وربطا بها جروح المصابيَْن وبقيا معهما حتى أتى الإسعاف، بل إنّ الناس الآخرين لما رأوا هؤلاء الثلاثة يساعدون المصابين هرعوا ليساعدوهم فمنهم من تطوّع ليكون شاهداً، ومنهم تبرّع ليرافق تشيلديني للمستشفى.
ونخرج بفائدة مهمة مما سبق، فإذا -لا سمح الله - حصل لك موقف طارئ في مكان عام، فلا تظن أنّ النجدة ستأتي فوراً، ولا يكفي أن تصيح لطلبها، لأنّ ظاهرة العمى الجماعي بسبب المسؤولية المتشاركة ظاهرة شائعة لا يسلم منها أي بشري، بل أكثر وسيلة فعالية هي أن تشير لشخص معيّن وتطلب منه النجدة، فهذا سيزيد احتمالات نجاتك إن شاء الله.
Twitter: @i_alammar