إن الآباء الحريصين على عقول أبنائهم أن تُغذى، ومداركهم أن تتسع، ومخيلاتهم أن تتنامى.. ومدخراتهم أن تكثر، وتستزيد من المعرفة، والثقافة، والخبرات التي تؤهلهم لأن يكبروا فتكبر معهم طموحاتهم، وتتجلّى مواقفهم، وترجح عقولهم، وتستقيم مسالكهم وسلوكهم، ليس أمامهم إلا أن يكونوا رفقاء لأبنائهم اللحظة باللحظة.
تحديداً في هذا الوقت الذي تشعبت فيه بين أيديهم منافذ الخبرات... وغدت الأجهزة الذكية ترافقهم في كل مكان، وفي أي الأوقات.. ومعها نمت مصطلحاتها في ألسنتهم، وعرفوا وعورتها فذللوها، ومجهولها فاكتشفوه..، وتيسّرت لهم عنها مكاسب كثيرة..، غير أن لها من المساوئ ما على هؤلاء الآباء من مسؤولية كبرى كي يأخذوا بهم نحو معرفتها، والقناعة بتجنبها..!
كان آباؤنا يغذوننا بالقراءة لنا، وتدريبنا على الإنصات لما يقرأونه علينا، وبآماليهم لما ينتقونه من كتب الأدب، والرحلات، والقصص، والطرائف، والتراجم، والسير، وعيون الأدب المترجم، وكتب الدين وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرفوننا الشخصيات المؤثّرة في مسيرة البشرية في جميع المجالات، ولا يرضون لنا غير الحكمة، وأدب التعامل، وقدرة القرار، بجلساتهم اليومية، وفي أوقات الصلاة...،
لذا كانت الأجيال السابقة، والممتدة على معرفة، وثقافة، وأدب..
كانت هناك خطوط حمراء، وحدود مكينة يضعونها لنا بعد أن يعرفونا الأسباب، بين فضائل السلوك، ومشينها..، لا جدال في أمرها عند المسلك بما فيها اللفظ، واللمحة، والإيماءة، والملبس، وطريقة المشي، والجلوس..، والوقت المناسب للتعبير أمام الكبير، وكيفية الحديث.. حتى نبرة الصوت كانت ضمن توجيهاتهم، وكل فعل..حتى غدت تلك الأجيال تتأدب مع نفسها قبل غيرها..وترقى بخبراتها من أجل عزها...
أبناؤنا اليوم في أيديهم، وخلواتهم، وبينهم ورفقائهم، وأهلهم، وونظرائهم أبواباً مشرعة كثيرة ومتداخلة لكل شيء،...
فما دور الآباء الآن في أمر تكوين خبرات، ومعارف، وقناعات، وتوجهات، ومن ثم سلوك أبنائهم...؟!!
بما في ذلك الفكري.. والحصيلة الإيمانية، والثقافية فيهم، والمعرفية في شتى المجالات..، بل الأخلاقية..؟!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855