في هوليود، تُصنّف الأفلام المحتوية على مشاهد عنف ودرجة عالية من الدموية مثلاً بتصنيف R اختصاراً لـ Restricted وهي الفئة غير الصالحة للمشاهدة لمن هم دون السابعة عشرة. ويقوم هذا التصنيف بحماية الأطفال وفقاً لإرشادات علماء النفس والسلوك صيانةً لحقوق الطفل.
بينما (في هذه المنطقة من العالم) أصبحت صور الأجساد الملطخة بالدماء على نواصي الشوارع، أو مهملة في الأزقة. وجثث الأطفال المختنقة المصفوفة إزاء بعض ومُغطاة بقطع الثلج مَشاهد لا تثير في الضمير العربي ذعره الطبيعي ونفوره الإنساني كما لو كنّا نخوض تجربة قاسية في تجميد الإحساس. لقد تبلّدت المشاعر العربية حتى بلغت أن تُزهق ألف روح فجر أربعاءٍ تليها خطبة جمعة عن عِدة المطلقة أو فوائد العسل!
العقل العربي تعرّض لصراع عنيف عبر القرون ما بين اليوتوبيا الحالمة والمثالية التي صاغتها كينونته البدوية المتعمقة والتي لم تنفك عنه رغم الحضارة المظهرية التي احتبي بها كواقع لا بديل له. وما بين الدستوبيا التي يصارع قسوتها في تحطيم خيالاته ورغباته في الحصول على واقع ينتصر فيه الحُبُّ والخير والجمال. ولقد واجه منذ القرون القديمة حرب (تقبيح) فكري، وشعوري ضارٍ نازع فيها كل مظاهر الجمال في المفهوم الشرقي الذي ينتهي دائما إلى صور الاقتران والقُرب والسلام والمشاركة والحُب. كما لو كانت الحياة برمتها رواية شرقية بنهايتها يتزوج الأحباب بطريقة نزارية بحتة. ولم تكن الذهنية العربية التي أفاقت -أو لم تفق بعد- على عمليات هجومية متتالية وشرسة لهدم أحلامها، لم تكن قد قضت ساعة في عرسها ولكنها قضت العمر في مأتمها!
الأمر الذي سرّع في انتكاسة الشعور والإصابة بحالة تبلد عارمة هو كثافة الهجمات وتنوع سبلها الأكثر تعقيداً من غفلة العربي الذي كان يدفع قاربه الجميل نحو أفق حالم سعيد كصياد أسمرٍ لا يمتلك مجدافاً غير أحلامه وعواطفه الغامرة. فيما احتوشته الأمواج العالية والريح الصاخبة التي قلبت قاربه وضيّعت ترانيمه البهيجة. الوقت لم يكن في صالحه، وهو كان بطيئاً في تفسير التغيّرات الضخمة من حوله؛ ففيما كان مشغولاً بإدراك الأحداث المتداخلة والغامضة وتفكيكها حتى وجد نفسه ضمن واقعها كجزء لا يتجزأ من الصورة الكبيرة للمادية العالمية التي لم تحترم نبضاته وجوانبه الميتافيزيقية المقدسة والغالية على نفسه. فلجأ للتبلد كمكانزم دفاعي واختبأ خلف درع جاف مثل حلزونة جافلة!
kowther.ma.arbash@gmail.comkowthermusa@ تويتر