أشرنا في المقال السابق إلى أن المسلمات الإدارية والاقتصادية وآليات العمل ومفاهيمه التي سادت القرن الماضي لم تعد مناسبة لإدارة العمل الحكومي أو الخاص في هذا القرن وأن الأمر يتطلب تعديل وتغيير جذري في المفهوم والآلية. فالمستجدات الإدارية والاقتصادية والتقنية والبيئية والسياسية فرضت تحديات لا يمكن التعامل معها بمفاهيم وآليات العمل السابقة التي كانت تسير العمل في العقود الماضية.
الذين أدركوا هذه المتغيرات لم يجدوا صعوبة في تفسير القلاقل والهزات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ظهرت في بعض الدول والمجتمعات في هذا القرن والتي شملت أيضا دولا تصنف بأنها ضمن مجموعة العالم المتقدم كبعض الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية (راجع الهزة الاقتصادية لعامي 2007 و2008 في الولايات المتحدة).
المتتبع للتطور والتغير السريع في الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والتقنية...الخ يلاحظ أن المجتمع الدولي انقسم تجاهها إلى ثلاثة أقسام. المجموعة الأولى تمثلت في الئك الذين لم يعيروا تلك التغييرات أي اهتمام، ربما لأنهم لم يقرءوها أو لم يدركوها البتة وبالتالي لم تكن تعني لهم أي شيء. هؤلاء لم يعفهم جهلهم بتلك المتغيرات من الوقوع في مخاطر الزمن وتحدياته. وفي اعتقادي أنهم وقعوا في ما أشار إليه لاعب الشطرنج الروسي تارتاكو من أن «الأخطاء موجودة دائما بانتظار من يقع فيها»
أما المجموعة الثانية فتمثل أولئك الذين اكتفوا بمراقبة تلك التطورات وانتظار ما يحدث ولم يكلفوا أنفسهم إجراء أي تغيير في سلوك منظماتهم أو في مجتمعاتهم لا من حيث المفهوم ولا الآلية. إما لعدم فهمهم لما يجري أو لمكابرتهم وقناعتهم بأن مفاهيم وآليات العمل لديهم تحاكي تلك المستجدات ولديها القدرة على التعايش معها واستيعابها وأنهم بمعزل عن المخاطر. وبالتالي لم يكن منهجهم في أسلوب ردود الأفعال ليحميهم من الفشل في التعايش من مستجدات المرحلة ومتغيراتها ووقعوا في كثير من مزالق العصر ونكباته.
أما المجموعة الثالثة فتمثل قلة نخبوية من ذوي العلم والحكمة والتواضع أدركت ببصرها وبصيرتها حجم التحدي ومتطلبات الفترة الزمنية فوقفت مع نفسها وعملت على مراجعة مفاهيم وآليات العمل لديها وأعادت صياغتها بما ينسجم ومعطيات المرحلة. بل وأخذت بزمام المبادرة وطرح المبادرات حتى تمكنت من تحويل تلك التحديات إلى فرص وأحرزت السبق في مضمار النمو والتنمية فحققت تقدما لنفسها ولمجتمعها.
بقي السؤال الأهم في هذا الصدد وهو أين يمكن تصنيف الأجهزة التنفيذية في قطاعي الأعمال والحكومة لدينا، وإلى أي من المجموعات الثلاث تنتمي؟
لست بصدد الإجابة على هذا السؤال وكل ما أردت التذكير به هو أننا أحوج ما نكون للوقوف مع النفس والصدق معها ومراجعة أدائنا الإداري والاقتصادي في ظل مستجدات العصر ومن ثم صياغة منهج علمي عملي للأداء يعكس متطلبات المرحلة ويحاكي متغيرات العصر ومتطلباته وتطلعات القيادة.
فهل إلى ذلك من سبيل؟
والله ولي التوفيق.
@falsultan11