تساءل المراقبون عن خلفيات وأسباب مبادرة المملكة العربية السعودية، وعلى لسان الملك عبدالله شخصياً، إلى دعم ثورة يونيو المصرية سياسياً ومادياً، حتى وصل الامر بوزير خارجية المملكة الامير سعود الفيصل إلى القول من أمام قصر الاليزيه الفرنسي، ان المملكة مستعدة لتعويض مصر المساعدات الغربية، الأمر الذي اعتبره البعض بداية افتراق أمريكي - سعودي حول المسار السياسي في المنطقة.
إن خلفيات المبادرة السعودية تعود في تقديرنا إلى العوامل الآتية:
1- التناقض العميق بين المملكة العربية السعودية بخاصة، وأنظمة الحكم الخليجية بعامة من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين من جهة ثانية. هذا التناقض يعود تاريخه إلى أكثر من 30 سنة. إذ إنه بعد احتضانهم سعودّياً وخليجياً زمن خلافهم مع جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي، عبثوا بالأمن الداخلي للمملكة ولدول الخليج، عبر تأليف خلايا اكتشفها الأمن السعودي لاحقاً، مما دفع بالكثير من الأمراء السعوديين الى إطلاق صفة الغدّارين على قيادة وأعضاء الجماعة. وكان أبرز من تحدث ولا يزال عن التناقض الخليجي - الإخواني مؤخراً، قائد عام شرطة دبي الفريق ضاحي الخلفان.
2- شعور قيادة المملكة العربية السعودية ان الإدارة الأمريكية أقامت تحالفا تركيا - قطريا - أمريكيا يتجاهل دور المملكة بل يحاول شطبها، من خلال الدور القيادي التركي لهذا الحلف في المنطقة، بما يعيد الأمور إلى زمن الخلافة العثمانية، ومن خلال تنصيب قطر لقيادة منطقة الخليج.
3- لمست المملكة أن دورها العربي والإقليمي قد تراجع في ظل غياب مصر، وأن جامعة الدول العربية أصبحت منقادة من القيادة القطرية، بما يتجاوز الدور السعودي.
4- قارنت المملكة بين القيادة المصرية والقيادة التركية. فعلى الرغم من خلافها مع جمال عبد الناصر إلا أنه أصر على أن يكون مقر منظمة المؤتمر الإسلامي في جدة، كذلك فقد وقف إلى جانب المملكه ضد شاه إيران، في حين أن القيادة التركية لا تألو جهدا لإضعاف الدور السعودي في العالم الإسلامي.
5- أدركت المملكة أن مخطط الشرق الأوسط الكبير لتقسيم 7 دول عربية لن يستثنيها، وأن وجود الإخوان المسلمين في قيادة مصر، انما جاء بتسهيل من المحور الأمريكي - التركي القطري؛ أي المحور الداعي إلى الشرق الأوسط الجديد.
6- تنبهت المملكة إلى أن إسقاط مصر نتيجة قصور حكم الإخوان لا يهدد فقط مصر إنما يسقط الأمن القومي العربي ويؤدي إلى انكشاف كامل لأمن المملكة.
7- قرأت المملكة في المتغيرات الدولية أن أمريكا الى غروب، فهي تنسحب من المنطقة باتجاه المحيط الهادي، وأن دول البريكس إلى تقدم.. فلماذا تستمر في وضع كامل بيضها في السلة الأمريكية.
8- لمست المملكة أن تكبير دور القوى الإقليمية: تركيا، إسرائيل وإيران، في ظل غياب مصر يلغي الدور العربي بالكامل ويجعل المنطقة منطقة نفوذ لهذه القوى الاقليمية.
لكل هذه الأسباب كان الموقف السعودي الشجاع بتأييد ثورة مصر، مع الإشارة إلى أن كل نظام عربي ومهما صادق دولاً خارجية يحافظ على مساحة استقلالية له، أقلّه بما يحفظ كيانه ونظامه. وفي جميع الأحوال فان العلاقة الإيجابية بين مصر والسعودية قد تؤسس لعودة مثلث القوة العربي: مصر - السعودية - سوريا، الذي أحبط مشروع الشرق الأوسط الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي. كما ان الموقف السعودي الإيجابي من ثورة يونيو المصرية أسهم ولا شك في لجم الموقف الغربي المنحاز ضد مصر، فضلاً عن ان الدعم المالي السعودي أسهم في تخفيف التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة المصرية.
كل ذلك ما دفع بالفريق عبد الفتاح السيسي إلى توجيه الشكر إلى قيادة المملكة والتذكير بالموقف السعودي - المصري - السوري المشترك الذي أدى إلى انتصار حرب تشرين عام 1973 واعتبار العرب آنذاك القوة السادسة في العالم. كما دفع بالمستشار الاعلامي لرئيس مصر المؤقت عدلي منصور الإعلامي أحمد المسلماني لأن يؤكد «أن مصر والمملكة العربية السعودية يشكلان حجر الزاوية للأمن القومي العربي».
- مدير المركز الوطني للدراسات ببيروت