لعلّ أغرب ما في هذا العام أن انتقل الحزن من يوم الجمعة إلى يوم السبت، وأصبح يوم الأحد مكروهاً، كيف لا وهو اليوم يعتبر اليوم الدراسي الأول؟ ومعه بدأ أكثر طلاب المدارس يتلكأون في الاستيقاظ، وكأنما يذهبون برفقة فرقة الإعدام إلى المقصلة! لماذا يكره الطلاب عموماً المدرسة إلى هذا الحد؟ بل لماذا يكره المعلمون مدارسهم إلى هذا الحد؟ ألم تسأل وزارة التربية والتعليم نفسها يوماً، هل يمكن أن ينشر السعادة والعلم والمعرفة من يكره أسوار المدرسة وفصولها؟ أعني بذلك المعلم نفسه.
صحيح أنّ الأجيال القديمة مع بدايات التعليم الحديث، في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كانت تعاني من الضرب والجلد بطرق بشعة، تسبب في زيادة معدّلات التسرّب من المدارس، ولم يقتصر الأمر على الهروب من المدارس، بل حتى كرهها، وكره تذكرها وكأنما هي معتقلات من عصور الفاشية، والأنظمة الدكتاتورية!
ولكن لماذا استمر الكره حتى لدى الأجيال الجديدة، التي لم تعانِ من الضرب والتعذيب؟ والإجابة على ذلك بسيطة للغاية، لأنّ ليس هناك في المدرسة، وخلف أسوارها ما يدعو إلى الحب، لا يوجد أيٌّ من بوادر المتعة في التعليم! سيقول أحدهم: المتعة؟ يا ساتر، أتدعو إلى الاستمتاع في المدارس، وكأنما خُلقنا من عجينة التجهُّم، ولا يجوز أن نلهو ونضحك ونلعب، بل يدخل المعلم متجهِّماً ومقطباً، ولا يليق به أن يبتسم، أو يمازح تلاميذه، فضلاً عن أن يضع هو، أو وزارته برامج تعليمية بطرق اللعب والمتعة!
معظم دول العالم المتقدم توصّلت إلى فكرة التعليم بالترفيه هي الأسرع نجاحاً، وإيصالاً للمعلومة من الطرق التقليدية الجافة، معظم هذه الدول تفهّمت أنّ المناهج الطويلة الكئيبة لا تخلق جيلاً مبدعاً، وحلّت هذه الإشكاليات مبكراً منذ القرن الماضي، بل حتى دول آسيوية، كاليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية، عرفت منذ مطلع الألفية الجديدة، وما قبلها، أنّ طرق التعليم الحديث، التي تجعل التلميذ مبدعاً خلاّقاً، محباً لمدرسته بكل إمكاناتها، من ملاعب ومختبرات وأصدقاء، هي الأساس في العملية التربوية التعليمية، بل أصبحت المدرسة هي امتداداً للمنزل بكل ما فيه من أدوات وتقنيات حديثة، إن لم تتفوّق عليه، وذلك باستخدام التقنية في التعليم!
وفي حين نكرر هذا الحديث كل عام، لا يستجد أي شيء لدى وزارتنا الموقرة، وكأنما تضع طيناً وعجيناً في أذنيها، ولا تريد أن تسمع ولا تفكر، وإذا كانت الوزارة بمجملها لا تريد أن تفكر، فكيف نطالب التلميذ أن يفكر وهو يذهب مكرهاً لفضاء المدرسة ومكوّناته!
العالم يتطوّر في أدوات التعليم ووسائله، ويتجدّد في مناهجه، ونحن كل عام نحلم بأن نعلن عن تسليم آخر مبنى مدرسي مستأجر، ليس فيه من شروط التعليم والترفيه ولا شروط السلامة أي شيء!
العالم يخلق من المدارس بيئات مناسبة ولائقة، ومنافسة للمنزل، بل متفوّقة عليه، بينما أبسط منازلنا وأكثرها تواضعاً تفوق قدرات المنازل بمراحل، ويقلقنا كل عام كيف نؤمِّن احتياجات هذه المدارس، إلى حدّ تحفيز المعلمات والمعلمين على دعم المدرسة واحتياجاتها من مالهم الخاص!
تلاميذ العالم لهم ذاكرة جميلة مع المدرسة، ويذهبون بشغف وحب كل صباح، بينما أولادنا يُقادون إلى مدارسهم كالأضاحي الوجلة، والسبب أنّ المدرسة أصبحت بيئة محبطة، ليس للطالب وحده، بل حتى للمعلم، الذي يفكر طوال سنواته بلحظة ذهبية يبلغها، ألا وهي التقاعد المبكر! أيُّ حب هذا، أيُّ بيئة منتجة للعلم والمعرفة!.