دخلت مع بعض الزملاء في نقاش طويل حول العلاقة بين دخل الفرد في المملكة وبين الدعم الحكومي للسلع، خرجت منه شخصيًّا بانطباعات وتساؤلات وقناعات لعلَّ اهمها في هذا الباب هو أن الحاجة الماسَّة إلى إيجاد آلية لمعرفة دخل الفرد الحقيقي، وعليه يتم توزيع الدعم الحكومي الذي يستهدف الفئات الأقل ثراءً بدعم السلع أو حتَّى المحفزات الماليَّة الأخرى التي يحتاج إليها المحتاجون من هذا الدعم. كذلك خرجنا بأسئلة ذات علاقة مباشرة بالموضوع مثل: كيف نستطيع تحديد المحتاجين الحقيقيين لدعم السلع؟ وكيف نستطيع حصرهم؟ وما القضايا الأخرى التي يمكن حلها من خلال معرفة دخل الفرد الحقيقي في المملكة؟ فعلى سبيل المثال، ما نسبة المواطنين الحقيقيين المستفيدين من دعم الأرز؟ فدعم الأرز على الإطلاق يجعله يشمل طبقات تجاريَّة تستفيد تجاريًا من هذا الدعم، وكذلك يصل لطبقات قد لا يمثِّل لها سعر الأرز الحالي مصدر قلق مالي. ولذلك فإذا استطعنا تحديد المحتاجين لذلك الدعم المالي، وهو الفرق بين سعر الأرز قبل الدعم وبعده وقمنا بدفع الفرق مباشرة للمحتاجين إليه، فإنَّ ذلك سيفي بالغرض من دعم المواطنين المحتاجين ويترك لهم الخيار في صرف ذلك الفرق.
ومن جهة أخرى فإنّه سيوفر مليارات الريالات على خزانة الدَّوْلة كذلك، وبهذا فإنَّ مسألة تحدي المحتاجين الدعم تكون أسهل بكثير من الاعتماد على معادلة حاسبية تخرج لنا رقمًا افتراضيًا عن متوسط دخل الفرد في المملكة، وهي بذلك تحدد بشكل واضح وصريح المحتاجين الحقيقيين للدعم المالي المباشر وللدعم المادي غير المباشر عن طريق دعم المصروفات.
كنت قد كتبت حول الموضوع كثيرًا وأجدني اليوم استذكر ما كتبت، ومن وجهة نظري الشخصيَّة، فإنَّ تحديد الحدّ الأدنى لدخل الفرد الذي في ضوئه يتم توزيع الدعم هو المهمة الأكثر صعوبة في سلسلة الإجراءات التي يجب اتِّخاذها لتأكيد عملية التوزيع الصحيح للدعم، بمعنى أن إيجاد قاعدة بيانات جميع سكان المملكة من حيث الدخل الأولي أصبح اليوم أسهل بكثير استنادًا إلى بيانات شركة سمة للمعلومات الائتمانيَّة التي تُعدُّ نقلة نوعية في سبيل إيجاد مرجعية معلوماتية دقيقة تعكس الواقع المر الذي يعيشه المواطن من ناحية إحجام القروض التي يتحملها، وكما نعلم فإنَّ طلبات القروض تحتوى على معلومات دقيقة يقدمها المقترضون في سبيل الحصول على قروض أو تقسيط، ولعل الأخبار التي تطالعنا بها «سمة» بين الحين والآخر تؤكد وجود أساس قوى لمعلومات تفيد في تحديد دخل الفرد الحقيقي في المملكة، وأرى أن يَتمَّ البناء على هذا الأساس لتأسيس منشأة وطنيَّة حكومية على غرار ومن تهتم بمتابعة دخول الأفراد بشكل عام بشكل يعطي تصورًا أوضح للوضع العام المعيشي للمواطنين.
ومعرفة الدخل الحقيقي للأفراد يقودنا إلى فوائد أخرى لها علاقة بالشفافية والمحاسبة، ما يجعل إيجاد جهة حكومية تهتم بدخل الأفراد حاجة ملِّحة لضمان العدالة في أوساط الاقتصاد، ولربط النقاش بمقدمة هذا الطَّرح فإننا نتحدث عن الفساد المالي كجزئية مهمة في تركيبة الفساد الإداري بشكل عام، لأن انتشار الفساد الإداري يُؤدِّي إلى انتشار الفساد المالي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولكن في بلد أنعم الله عليه باقتصاد قوي وقيادة حكيمة، ما جعله في غنى عن فرض ضريبة الدخل للأفراد وعدم تتبع مصادر الثروات، لأن هذا السبب يجعل من الإفصاح عن ثروات الأثرياء سببًا لتتبع مصادرها، كما معمول به في كثير من الدول التي تكون فيها مصلحة الضريبة مرتبطة بهيئات ذات علاقة ومن ضمنها جهات تهتم بمتابعة دخول الأفراد، ومن الأمثلة على ذلك Internal Revenue Revenue Service IRS في الولايات المتحدة الأمريكية أو Inland Revenue البريطانية التي أصبحت أخيرًا (HM Revenue الجزيرة Customs (HMRC، بعد ضم الجمارك البريطانية لها في منشأة واحدة، وعلى الرغم من أن الهدف من وجود هاتين الجهتين هو معرفة دخل الفرد لحساب ضريبة الدخل والضرائب الأخرى المتعلقة بالملكيات، وهو ما لا نحتاج إليه هنا في المملكة، فإنَّ المعلومات الموجودة في مؤسسات الضرائب تساعد الاقتصادين الأمريكي والبريطاني على اتِّخاذ إجراءات اقتصاديَّة مهمة بناء على تلك المعلومات. وبذلك فإننا في الاحتياج نفسه من ناحية اتِّخاذ إجراءات اقتصاديَّة بناء على معلومات دقيقة، كذلك فإنَّ الإجراءات والنتائج هي نفسها من ناحية جمع المعلومات عن دخول الأفراد بشكل عام .
albadr@albadr.ws