لا يمكنني في الحق الإجابة على هذا التساؤل البسيط، يمكنني بالطبع تذكر الفواتير الشهرية لكل منهما في منزلنا لكنني لا أعرف تحديدا وعلى وجه الدقة كم يستهلك غسيل الصحون مثلا أو تنظيف المطبخ من مياه وكم تصرف هذه المكيفات وهي تهدر في هذه الغرف طوال الليل وفي رمضان طوال النهار أيضا؟
أدهشتني حقائق بسيطة نشرتها وزارة المياه والكهرباء في 31 مارس 2013 بإعلان طويل احتل صفحة كاملة في جريدة الوطن وهو يستحق ذلك موضحا أن متوسط أنفاق الفرد شهريا في المملكة على كل من الماء والكهرباء والهاتف المحمول والثابت هو كالاتي : الهاتف المحمول 190 ريالا ثم الكهرباء 28 ريالا ثم الهاتف الثابت 24 ريالا وتأتي المياه في آخر القائمة بأقل من ريال! وهو يعني أن الهواتف الجوالة التي لا تفارق صغيراً وكبيراً... فقيراً أو قادراً وهي تستهلك وبملء إرادتنا أعلى نسبة في مستلزماتنا اليومية رغم أنها من الكماليات فهي ليست كهرباء ولا ماء ولا غذاء ولا تعليم ولا صحة. ما غفلت عنه الوزارة في إعلانها الجميل الموضح بالرسوم البيانية هو توضيح التكلفة الحقيقية لوصول المياه إلى منازلنا نظيفة معقمة والتي تتولاها الدولة مقارنة بما يدفعه المواطن كذلك ضرورة توضيح نسب الاستهلاك حسب المناطق والأحياء السكنية في المدن المختلفة حتى تكون النسب صادمة بما يساعد على رفع الوعي بأهمية المياه مثلا في بيئة قاحلة وجافة لا تتجاوز نسبة الأمطار السنوية فيها مليمترات خاصة في المناطق المزدحمة سكانيا مثل الرياض وجدة والدمام وما يسقط عليها سنويا يعتبر في دول أخرى كأستراليا ودول شرق آسيا أمر يدعو للقلق على مستوى الدولة.
لن يتغير السلوك الفردي للمواطن السعودي إلا حين تصبح هذه الحقائق جزءا من خبزه اليومي الذي يستشعره حين يفتح الحنفية لغسيل أسنانه أو استخدام الهوز لغسل فناء منزله أو ري حديقته بل ما هو أهم في مجتمع اتكالي كمجتمعنا إدخال فئة هامة جدا هي من تدير هذه المنازل فعلا وهي فئة العاملات المنزليات اللاتي يقمن بعمليات الغسيل والتنظيف الفعلية وفئة السائقين الذين يقومون بغسيل السيارت والساحات الخارجية في الغالب . هؤلاء في الغالب من الفلبين وسيرلانكا وإندونيسيا والهند وبنغلاديش حيث لا تمثل المياه مشكلة قائمة بحكم مناخاتهم الاستوائية التي تجعل الأمطار حقيقة يومية ومتواجدة دائما ومن ثم لم يفكروا بها وهم صغار أو يتم توعيتهم بها لكن الحال مختلف هنا حيث علينا جميعا ودائما تذكير العاملة المنزلية والسائق عند فتح أي صنبور بطبيعة بلادنا الجافة وبندرة المياه وغلائها وبكلفتها الفعلية على الاقتصاد ومع التذكير المستمر تصبح حقائق هم مضطرون للتعامل معها عند استخدامهم لها.
الأطفال أيضا شريحة مهمة وغير واعية وهي في الحق من يغادر الغرف دون أن يطفئ المكيفات أو النور كما قد يترك المياه تضخ في المغسلة دون وعي بأن خزان المنزل يكاد يكون فارغا من المياه مثلا ولعب الصيف قد يؤدي إلى صرف مياه كثيرة للاستحمام أو للعبث بها وهنا يأتي دور التوعية الأسرية والتوعية المدرسية.
لا أعرف إذا كانت المدارس فعلا تستطيع أن تفعل شيئا.. ليس لأنها لا تستطيع فهي مصنع الأمم ولكن بأوضاعها الحالية لا أمل في أن تكون القضايا التوعوية والبيئة محل اهتمام كاف طالما لم يتبناها المعلمون أنفسهم الذي لا يولي إلا القلة منهم العناية الكافية بالقضايا العامة مثل قضية المياه أو ترشيد استهلاك الكهرباء باعتبارها ليست قضايا تعليمية مثلا أو تهم المدرسة أو تؤثر على الراتب. أما المناهج فهي ورغم أنها تضم في بعض أجزائها وخاصة في مواد العلوم والتربية الوطنية ( البنات لا يدرسن التربية الوطنية!!!) معلومات ونصائح حول قضايا المياه والعناية بالبيئة وغيره لكن ذلك يتم بشكل نظري يردده الطالب ككلمات مفرغة لا تتضمن محتوى تطبيقي يستشعره عند استخدامه للحمام داخل المدرسة التي يمكن أن تنطلق صنابيرها طوال اليوم أو تتكسر كما أن مبانيها ومصابيحها الكهربائية ليست صديقة للبيئة ومن ثم فلا يتم استبطان هذه القيم كسلوك يومي ممارس.
في مطار أبوظبي المزدهر بجماله ورواده الذين أذهلتني أعدداهم وقد تصورت ذلك ظاهرة مرتبطة بمطار دبي ولم أعرف أن ذلك أيضا قد انتقل لهذا المطار الفتي: (مقارنة بالحالة الكئيبة التي ترزح تحتها حاليا مطاراتنا المحلية مثل مطار الملك خالد الدولي ومطار الملك عبدالعزيز في جدة بلا سبب مفهوم لدي الغالبية لتفسير أوضاعهم البائسة وهذه قصة أخرى يجب أن تحكي) في ذلك المطار الفتي في أبوظبي ازدهرت إعلانات تملأ جدرانه للتوعية بمصادر الطاقة وطرق ترشيد استخدامها وهي الكهرباء والماء وقد استخدم في ذلك ليس عبارات مطولة نصائحية مملة كما هو متوقع بل لوحة فنية بمكابس كهربائية أنيقة صاغتها يدٌ حساسة لإيصال الرسالة دون إقحام ممل لنفس المتأمل من المسافرين مع حقائق بسيطة تحتها يمكن تنفيذها مثل: إذا قام كل من يعبر هذا المطار بإطفاء مصباح ساعة واحدة يوميا لمدة عام كامل فإن الانبعاثات التي سيتم تجنبها من غاز ثاني أكيد الكربون تعادل وقف استخدام 500 سيارة لمدة عام كامل !ثم إرشادات: اطفئ النور عند الخروج من الغرفة، اطفئ جهاز الكمبيوتر عند انتهائك ولا تتركه مفتوحا سواء في البيت أو المكتب وفي سبيل الترشيد للمياه ..لوحة من عشرات الصنابير الأنيقة وتحت كل منها أحد نماذج السلوك البسيطة التي نستطيع تبنيها في حياتنا اليومية مثل قصر حمامك بمقدار دقيقة . غسل سيارتك بإسفنجة كبيرة وليس بضخ الهوز عليها، اغلق المياه عند تنظيف أسنانك ومقرون بها حقائق مثل لو أن كل من يمر من هنا يأخذ دشا سريعا بدل حمام مطول أو باث في المغطس لكنا استطعنا توفير مياه بما يكفي لملء 2 مليون علبة ماء كبيرة.
هكذا هي التوعية الفعالة : حقائق بسيطة مغموسة في سلوكنا اليومي نستطيع استشعارها وتنفيذها والمشاركة عمليا ووجدانيا فيها. متى نستطيع أن نفعل ذلك في بيئتنا المحلية التي هي أشد ما تكون حاجة لوقف هذا التدمير البيئي المتوحش الذي تتعرض له؟؟؟