مؤتمر الحوار اليمني في مأزق، وجمال بن عمر يصل إلى اليمن لإنقاذ الحوار الذي اكتفى فيه اليمنيون بإلقاء مشاكلهم المتعددة على الطرف الدولي، وحضروا في الحوار ليكايدوا بعضهم سياسياً، وللنكهة الخاصة لتخزين القات في فندق موفنبيك المطل على العاصمة صنعاء.
ليست المرة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة التي يتحاور فيها أهل اليمن. وأذكر أنه عندما تشكلت لجنة للحوار في خضم أزمة سياسية كتب الكاتب الساخر عبد الكريم الرازحي مقالاً، ضمنه إعلاناً أن لجنة الحوار تعلن حاجتها لشركة حاكمة، وأورد مواصفات الشركة الحاكمة، ثم أتبعه إعلان عن حاجة لجنة الحوار إلى شركة معارضة، تكون أنظف قليلاً من الشركة الحاكمة، واستكمل الإعلان عن حاجة الشعب إلى لجنة حوار بدلاً من اللجنة، وعن حاجة اللجنة إلى شعب بدلاً من الشعب.
هذا الإعلان الساخر يتجسد اليوم في واقع المتحاورين مما يرشح عن جلسات الحوار؛ فالكل يريد حكومة بدلاً من الحكومة وشعباً غير الشعب ووطناً غير الوطن، وبخاصة الحوثيين ومن يسمون بالحراك الجنوبي، الذين لا يعجبهم العجب. والغريب أن الجميع يرضع من ثدي إيران التي باتت شراً مستطيراً، وتكشفت أحابيلها في استنساخ حزب اللات بأنصار اللات في اليمن، وعبد الملك الحوثي بحسين نصر الله، وصعدة بدلاً عن الضاحية الجنوبية.
الشيء الوحيد الذي لم تستطع إيران استنساخه في اليمن هو إسرائيل، فإذا كان حزب اللات في لبنان يرتبط وجوده ظاهرياً بمقاومة إسرائيل فبمن يرتبط وجود أنصار اللات في اليمن؟؟ سؤال يستدعي منا التوقف كثيراً قبل الإجابة عنه، فاليمن كما تشير الدلائل الظاهرية ليست غاية الأطماع الإيرانية، وأقصى ما تطمح إليه إيران هو تعزيز وجودها من خلال أنصار اللات وآخرين في اليمن لأجندة أخرى مرتبطة بالأطماع الإيرانية في الخليج، خاصة أن اليمن تعيش استقراراً نسبياً عن بقية دول الربيع العربي بسبب المبادرة الخليجية التي يرجع إليها الفضل في كبح جماح فتنة كادت تؤدي باليمنيين إلى الاقتتال.
ولا يمكن فصل ما يجري في اليمن عن محيطه العربي؛ فإيران التي يضيق عليها الخناق في سوريا يوماً إثر يوم لا شك أنها تريد اليمن بديلاً؛ لتضمن تحركها الشيطاني المشبوه في اختراق الأمن القومي العربي، وبخاصة بعد أن وجدت في النظام الإريتري تقبلاً لتمكينها من استقطاب أنصار، وتدريب أنصار على أراضيه وإرسالهم إلى حيث يحلو لها أن تبث سمومها.
إن دول الخليج اليوم تتعاظم مسؤوليتها تجاه اليمن بحجم الأخطار المحدقة بها، التي ليست ببعيدة عنها، ولا نريد أن تكون المبادرة الخليجية هي مبادرة إبراء الذمة بل نريد تدخلاً صريحاً وواضحاً، يعيد لليمن أمنه واستقراره، بعد أن أثبت اليمنيون أنفسهم أنهم قُصّر؛ بحاجة إلى ولي أمر يرعاهم من غيرهم، وبعد أن تقدم الصفوف من يمسك بزمامهم من أعداء استقرار اليمن ووحدته، فمن باب أولى أن يكون للأشقاء الحريصين على أمن اليمن واستقراره ووحدته دورٌ مباشر في شؤونه.
لم يعد من المعيب والمخجل أن ينادي اليمنيون إلى من يديرهم من غيرهم بعد عجز نخبهم السياسية.. المعيب والمخجل في عدم الخروج بحوارهم إلى بر الأمان وطرح الحلول التي يتطلع إليها السواد الأعظم من أبناء شعبهم ويتطلع إليها العالم من ورائهم بعد أن شهدنا إجماعاً منقطع النظير في الدهم العالمي لمسألة اليمن. وإن كان هناك من عيب فهو عيب اليمنيين أنفسهم وعدم طرح الحلول الواقعية على بساط الحوار الذي يتقاضى أعضاؤه بدل جلسات بالدولار، في حين يفتقر المواطن إلى أبسط الخدمات والمقومات لوجوده وحياته..
وتدل المؤشرات الأولية إلى تمديد الحوار بعد انتهاء الأشهر الستة المرسومة له دون طائل، وهنا سيجد اليمن نفسه في دوامة التمديد؛ فتمديد الحوار يتبعه تمديد فترة مجلس النواب، كما يتبعه أيضاً تمديد فترة الرئيس الانتقالي عبدربه منصور، مع أن التفكير المنطقي والعقلاني يقول بواقعية وحتمية التمديد لهادي؛ إذ إن اليمن بما تعيشه من ظروف ليست مؤهلة لانتخاب رئيس بديل، ولن يكون أيٌّ ممن انتُخب أفضل من هادي.
ومن المفارقات المضحكة المبكية في اليمن اتفاق المتنافرين لتحل مصالحهم بدلاً من مصلحة اليمن، ففي حين يتفق أتباع القاعدة مع أذناب إيران من الشيوعيين السابقين والحوثة - كما يسميهم أهل اليمن - يختلف من يُفترض أنهم أهل الحل والعقد في التوصل إلى رؤية وسط تكفل مصلحة الأطراف كافة، مع أن المطلوب هو تحديد حقوق وواجبات المواطنة، وشكل النظام السياسي في الدستور، الذي من المفترض صياغته، وإعادة ترتيب البيت اليمني من الداخل على أساسه، فالحراك الجنوبي الذين تجازوا العشرات تتعدد مطالبهم بين تقسيم اليمن إلى أقاليم، وتقسيمه إلى ثلاث دول وأكثر، ومن يطالب لنفسه بجزء يكوِّن له دولة عليه على مقاسه، وأخيرا طرحوا مسألة النقاط العشرين التي تريد إنهاء كل شيء قائم على أرض الواقع، بغض النظر عن إيجابيته من سلبيته، فيما الحوثيون يتحركون من خلال الحوار لإثبات شرعيتهم ووجودهم على أرض الواقع، والأغلبية العظمى من الثقل السكاني والاقتصادي لا يوجد من يعبر عن تطلعاتها، وبخاصة داخل مؤتمر الحوار.
وأخيراً، بوصفي متابعاً معنياً بما يجري أناشد من لا يزال يستجيب للمتحاورين في اليمن أن اتقوا الله في شعبكم وبلادكم، وأناشد الأشقاء في دول الخليج ألا يتركوا اليمن عرضة للأطماع الإيرانية الفارسية المجوسية وسط عجز وأنانية وتخاذل أبنائه.