إنها قصة رجل فاضل مُتميز، أحب بلده، فسلك طريقاً يبتغي فيه خيراً للوطن الذي أعطاه، وأعطى والده من قبله، ليقابل هذا العطاء بالوفاء والعرفان في أنبل وأجمل صورة كما هو ديدن الرجال الكرماء؛ لكنه كرمٌ كما يقولون (غير شكل).. إنه (محمد عبداللطيف جميل) ومشروعه الخيري المتميز (باب رزق جميل) الذي استفاد منه كثيرون، وصنع رجالاً ونساء أهّلهم ودلّهم على الطريق الصحيح في الحياة، من خلال التدريب والتهيئة والتشجيع لكي يحصلوا على (فرصة عمل). وليس لدي أدنى شك أن واحداً أو واحدة أو ربما أكثر ممن تدربوا في هذا المشروع الوطني الرائد سيكونون يوماً ما نسخة من محمد عبداللطيف جميل نفسه، وربما أفضل. إنها قصة تحكي كيف يكون (الكرم) والعطاء في هذا العصر، حيث لا موائد ممدودة، ولا بذخ، ولا إسراف، ولا بهرجة، واستعراض ثروة، وإنما أن تُعلم و تُدرب إنساناً كيف يكون مؤهلاً للعمل، ليمتلك (ثروة) لا تنضب ولا تنتهي .. وكما يقولون : (أن تعطي الرجل سنارة، وتُعلمه كيف يصيد، خير من أن تمنحه سمكة)؛ هذه هي فلسفة (الكرم) في ذهن هذا الرجل المعطاء حقاً .
فكرة (باب وزق جميل) كما يقول صاحبها عن بدايته : (كان هدفنا هو تشجيع وتدريب عشرة من الشباب السعودي الباحثين عن العمل لكي يصبحوا سائقي أجرة عامة، فأتحنا الفرصة لكل شخص منهم امتلاك سيارة أجرة عامة بقروض ميسرة دون أن تسبب لنا خسائر) . ثم ابتدأت مسيرة النجاح تتوالى، والإنجازات تتدفق، لتنتهي بهذا المشروع إلى تدريب وتهيئة ما عدده (208,822) من الذكور والإناث حتى تاريخه للحصول على عمل . أما التخصصات فإنها تتراوح ما بين الرعاية الصحية وحتى صيانة السيارات. كما أنه إضافة إلى التدريب (يُوفر قروضاً للتمويل ويشجع الشباب على إطلاق أعمالهم الخاصة ويساعد ربات البيوت على الانتقال من كونهن مُتلقيات للمساعدات إلى مُنتجات) ! . والهدف الذي أعلن عنه مؤخراً لهذا المشروع : (أن يتمكن من الوصول إلى 500.000 فرصة عمل بحلول عام 2016)؛ ليس في المملكة وحسب، وإنما في البلدان العربية والإسلامية الأخرى أيضاً .
ولك أن تتصور لو أن مثل هذه التجربة الفريدة انتشرت وتبناها كثيرٌ من تجارنا، لن أقول من أصحاب الملايين، وإنما (فقط) من أصحاب المليارات، ولن أقول جميعهم، بل (فقط) 10% منهم، وساهموا في مثل هذه المشاريع التي تنمُّ عن كرم حقيقي لا كرم مُزيف، أو بلغة أدق (لا كرم مُنافق)، هل سيبقى في بلادنا (بطالة)، أو فقر؟
أضحك كثيراً من بعض (تجارنا)، وشر البلية ما يضحك، حينما يتصدّرون المجالس، ثم يكيلون النقد للدولة عند الحديث عن عوائق التنمية، كالبطالة مثلاً، فأتساءل : قبل أن تنتقد الدولة، هلا سألت نفسك : ماذا قدمت لوطنك وأنت مدين بثرائك له، وفي الوقت نفسه لا تدفع إليه ما ينم عن وفاء منك وعرفان بفضله عليك ولو أقل القليل؛ بل أن بعضهم تسمع عن ثرواتهم خارج الوطن، وعندما تبحث عن مشاريعهم (التجارية) ولا أقول الخيرية، داخل الوطن، لا تجد إلا القليل؛ أو ربما لا تجد شيئاً يذكر عند المقارنة بالأرقام الفلكية التي تحكي عن أرقام ثرواتهم، وصفقاتهم، بل و(فضائحهم)، التي تتداولها وسائل الإعلام في الخارج والداخل.
لقد كشف (محمد عبداللطيف جميل) بمشروعه الرائد هذا كيف يكون نُبل الرجال الكرماء تجاه الإنسان والإنسانية، فأحرج كثيرين؛ كا عرّى (تدني) شعورهم الحقيقي بوطنيتهم فضلاً عن إنسانيتهم؛ ومدى (بُخلهم) على إنسان أوطانهم، وإن ادعوا زورا وكذبا الكرم والوطنية.
إلى اللقاء.