أتابع منذ أيام كل الحوارات التي تدور حول ضرب سوريا، فوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ومعه وزير الدفاع شيك هيقل، وقائد القوات المشتركة الجنرال ديمبسي يعملون بلا كلل، وذلك لإقناع أعضاء مجلس الشيوخ، ومجلس النواب، ومن ورائهم الشعب الأمريكي بأهمية التحرّك العسكري ضد سوريا، كما أنّ وسائل الإعلام على مختلف مستوياتها، المسموعة منها، والمقروءة تكاد تناقش هذا الأمر حصرياً، فالرئيس أوباما رسم الخطوط الحمر، والتي لا يمكن السماح للنظام السوري بتجاوزها، وعندما تجاوزها - حسب المعطيات التي تطرحها الإدارة الأمريكية - كان لزاماً عليه أن يتحرك، إذ إنّ مصداقية القوة العظمى أصبحت على المحك، ولن يكون سهلاً على الكبرياء الأمريكية أن تبدو ضعيفة أمام زعيم دولة شرق أوسطية بحجم سوريا، فما الذي تحدثوا عنه، وما الذي يقلقهم ؟!.
هناك أقلية تتفق مع الرئيس أوباما، ولكن أكثرية أعضاء الكونجرس، ووراءهم شريحة لا يُستهان بها من كبار الإعلاميين تتحدث عن سوريا، ولا تزال ذكريات غزو العراق حاضرة في أذهانها، وهم خائفون - وبدرجة كبيرة - من أن تتكرر مأساة العراق، وعندما يتحدثون عن مأساة العراق هنا، فإنهم لا يتحدثون عن الخسائر البشرية، والمادية من الجانب العراقي، ولا عن جرائم التعذيب التي ارتكبتها قوات الاحتلال، وعملاؤها، ولا عن نصف مليون طفل عراقي تم قتلهم بدم بارد، بل هم يتحدثون عن الخسائر التي تكبّدتها الولايات المتحدة، سواء تلك المتعلقة بالقتلى، والجرحى، أو الخسائر الاقتصادية، والتي لا زال الاقتصاد الأمريكي يعاني من جرائها حتى اليوم، ويبدو أنّ أكثر ما يغيظهم - وهم محقّون في ذلك - أنّ العراق الذي تكبّدت أمريكا خسائر جسيمة من جرّاء تحريره من الحكم الدموي لصدام حسين، تحكمه الآن عصابة طائفية دكتاتورية تتحالف علناً مع نظام بشار الأسد، وتدعمه بالمال، والعتاد، والرجال !!، فما الذي يخيفهم من ذلك ؟!.
يخشى كثير من أعضاء الكونجرس، وكبار المحللين، والإعلاميين أنّ الولايات المتحدة ستتكبّد خسائر جسيمة في سبيل القضاء على نظام بشار الأسد، وبالتالي ستتيح الفرصة للحركات المتشدّدة على الأرض، مثل جيش النصرة، وغيره بالاستيلاء على الحكم، أو المشاركة فيه على الأقل، وهذه الحركات تكنّ عداءً شديداً للولايات المتحدة، ما يعني أنّ الولايات المتحدة قد ترتكب ذات الخطأ الذي ارتكبته في العراق قبلاً، وزيادة على ذلك، فإنّ الشعب الأمريكي ليس في مزاج حرب هذه الأيام، فالاستبيانات تشير إلى أنّ ما يزيد على ثلثي الشعب الأمريكي يعارض التدخل في سوريا، وبشكل حاد، ومع كل ذلك فإنّ المتوقع هو أن يحصل أوباما على تفويض من الكونجرس لضرب سوريا، وإنْ بنسبة ضئيلة جداً، وذلك نتيجة للضغوط التي تمارس على أعضاء الكونجرس من قِبل منظمة ايباك، وشركات السلاح، إذ لا يمكن لسياسي أمريكي ذي طموح سياسي أن يغضب ايباك، خصوصاً في مثل هذا الموضوع الهام !، فاستعدوا لحرب قادمة قد تطول، ولا يمكن أن يتنبأ بتبعاتها أحد.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2