في الماضي كانت الأمهات في الأرياف يصنعن لأبنائهن الصغار حقائب مدرسية من القماش الرخيص المعروف بالـ»جابان» يعلقونها على أكتافهم ويمضون بها إلى مدارسهم بخفة ورشاقة، فلم تكن تلك الحقائب تحمل إلا القليل جداً من الكتب والدفاتر بحسب الجدول المدرسي اليومي، وربما قلم ومسطرة وممحاة وأشياء صغيرة لا تُذكر.
بمرور الأعوام صارت الأرياف مثل المدن وحلَّت الحقائب المدرسية الفاخرة الثقيلة مكان حقائب القماش الرخيص. ومثل أطفال المدن صار أطفال الأرياف أيضاً يحملون الحقائب الثقيلة المزركشة على ظهورهم ويمشون بخطى متثاقلة إلى مدارسهم ينوؤون بما يحملونه من أثقال.
حقائب ثقيلة مكتنزة محشوة بكتب كثيرة ودفاتر فاخرة بأغلفة زاهية وعدد كبير من الأقلام المصنوعة على شكل مجسمات مطلية بألوان فسفورية غريبة وأدوات مدرسية وهندسية من كل الأنواع! كل ذلك الحمل من منتجات عصرنا الاستهلاكي وإبداعات العقلية التسويقية الخارقة، مما لا علاقة كبيرة له بالعملية التعليمية الفعلية واحتياجات التلاميذ الدراسية!
وعندما أطلقت وزارة التربية والتعليم مؤخراً حملتها للتوعية بالمخاطر الصحية للحقائب المدرسية الثقيلة وضرورة ألا يتجاوز وزنها 15 بالمائة من وزن الطالب انطلقت حملة موازية من المغردين في التويتر والتعليقات من أولياء أمور التلاميذ عن دور الوزارة في إيجاد حل حقيقي لهذه المشكلة عن طريق استخدام التقنية الحديثة، وكذلك ترشيد عدد المقررات المدرسية وإعادة هيكلتها.
نحن لا نخترع شيئاً جديداً، فتوظيف التقنية في التعليم يجتاح العالم منذ بعض الوقت بما في ذلك عالمنا العربي. ففي هولندا، على سبيل المثال، يتحدثون عن مدارس «ستيف جوبز» التي تَحْظر على الطلاب استخدام الأوراق والأقلام وتمنع دخولها إلى المدارس، فقد استبدلت كل ذلك بالألواح الإليكترونية «الآي باد». وهناك دول أخرى متقدمة على هولندا في هذا المجال، بل إن دبي المجاورة دخلت المجال نفسه وهناك إشادة بما حققته التجربة حتى الآن.
لست ضد الحملة التوعوية التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم فهي قطعاً مفيدة، لكن الأفضل هو توظيف التقنية حتى لو كان ذلك في الحدود الدنيا التي لا تصل إلى منع استخدام الأوراق والأقلام بالكامل مثلما فعلت مدارس ستيف جوبز في هولندا.
هناك حديث عن تجربة جديدة تقوم بها الوزارة بالتعاون مع وادي الرياض بجامعة الملك سعود والجامعة السعودية الإليكترونية وبعض المدارس والشركات الأهلية لتوظيف التقنية في العملية التعليمية بما في ذلك المقررات والمناهج المدرسية. هذه التجربة لا تقدم لنا حلاً للمخاطر الصحية للحقيبة المدرسية فقط ولكنها أيضاً تنقلنا إلى دنيا جديدة في زمن العلوم والمعرفة التي تجتاح العالم، وهذا أهم بكثير من موضوع «الحقيبة المدرسية» ومخاطرها الصحية.
التقنية هي الحل الحقيقي، والتجربة الجديدة تستحق التشجيع والمتابعة من وزارة التربية والتعليم، ويجب تعميمها على جميع المدارس لكي لا ينتهي بنا الحال إلى وجود مستويات متفاوتة في جودة التعليم بحسب المناطق والأحياء.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر