أتعزز لمعالي رئيس الهيئة ونائبه وأعضاء مجلس الهيئة الموقر على ثقل المسؤولية الملقاة على عواتقهم محلياً ودولياً، إذ إن من واجبهم رصد ومتابعة وتسجيل واقع إنسان الوطن، كما أن عليهم المشاركة الفعلية بتوعيته وتثقيفه إزاء حقوقه التي نص عليها الشرع وأكدتها المواثيق الدولية، وفي المقابل يحمل منسوبو هذا القطاع الحيوي الهام مسئولية التواصل مع هيئات حقوق الإنسان العالمية، ومناقشة التقارير الدورية مع المؤسسات الدولية ذات العلاقة، ليس هذا فحسب بل عليهم إقناع الطرف الآخر (الخارجي) بوجهة النظر الشرعية، والشعبية، والرسمية إزاء لائحة الحقوق الداخلية والسلوكيات السعودية اليومية.
نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان معالي الدكتور زيد بن عبدالمحسن الحسين زار على رأس وفد حقوقي مدينة حائل منتصف الأسبوع الماضي وكان ضمن جدول الزيارة اللقاء بمعالي مدير جامعة حائل ووكلائها، وكان لي شرف حضور هذا اللقاء الذي تحدث فيه سعادة الدكتور عن نقاط ثلاث: أعتقد أنها من الأهمية بمكان، وواجبنا التواصي حولها، وتعزيز طرحها، ومناقشتها في الأوساط الثقافية والدوائر الرسمية.
أولها: أن إنسان اليوم يختلف في بعض جوانب حياته عن إنسان الأمس، فهو عالمي التفكير، عقلي النزعة، شمولي النظرة، يتابع ويطلع، ويقرأ ويحاور، وله حق التعبير، ويملك حرية الرأي، ولذا فنحن أمام إنسان جديد يجب علينا أن نستشرف مستقبله، ونتبنى إستراتيجية التغيير إزاء مفردات حياته بما لا يخالف شريعتنا، ولا يتناقض مع مسلماتنا، ويؤهل أبناءنا للتعاطي مع المستجدات والتفاعل مع مجريات الأحداث بأفق أوسع، ورؤية أنضج، ومنهجية أكثر دربة وروية.
ثانيهما: أننا في عالم مفتوح يقدر الفكرة، ويؤمن بالمبادرة، ويرحب بالحوار المبني على أسس صحيحة وهذه فرصة ثمينة لأن نطرح قضايانا عالمياً وندافع عن مسلماتنا الحقوقية التي تنطلق من مرجعية راسخة، ونصوص ثابتة صحيحة. وهذا يوجب أن نؤسس لجيل لديه القدرة على المشاركة الفاعلة والمؤثرة في مؤتمرات وندوات وملتقيات حقوق الإنسان العالمية.
ثالثهما: أن الجامعات مرشحة وبقوة لأن تتبنى فلسفة التغيير هذه، وعلى عاتقها تقع مسئولية بناء الإنسان السعودي الجديد، وهي فرصة ذهبية لأن تقود جامعاتنا مجتمع التنمية فتسعى جادة لبناء عقلية إبداعية مبادرة، حدود تفكيرها عالمي، وسقف إبداعها السماء، وهذا لا يتأتى من خلال إقرار مادة لتدريس حقوق الإنسان فحسب، بل لابد أن تكون هذه الحقوق سلوكاً يعايشه الطالب منذ دخوله بوابة الجامعة وحتى لحظة خروجه منها، ليتربى على سلوكيات حياتية تنعكس مع مرور الزمن على بنائنا القيمي في المجتمع السعودي.
إنني عندما أورد هذه النقاط الثلاث وأشير إلى ضخامة الملفات التي على طاولة معالي رئيس الهيئة ونائبه وأعضاء مجلسها ليتأكد لدي أن المرحلة التي نعيشها، والتقنية التي ننعم بها، والتحديات التي نواجهها، والإنسان الذي نتعامل معه، كل هذه المعطيات وما ماثلها تومئ إلى أن البون شاسع والمسافة طويلة بين ما هو في خلد هؤلاء المنظرين وبين الواقع الذي نعايشه ونراه في شارع الحياة.
لقد أفضى بنا الانعزال عن حضور المؤتمرات الدولية وعدم المشاركة في صياغة إعلانات حقوق الإنسان العالمية أن أصبحنا عبئاً على الآخر، فكانت القرارات والمواثيق تقف على أرضية غربية، والنتيجة الطبيعية أن كل وسائل الدفاع وجميع سبل الإقناع قد تتكسر أمام الإجماع الدولي.
لذا فنحن مدعوون إلى النهوض الحقيقي لبناء إنسان جديد عالمي النظرة، إسلامي المنطلق، وطني النزعة، أممي التفكير، يعرف حق غيره عليه قبل أن يعرف حقه، ويؤدي ما هو واجب في عنقه مثل ما يطالب بما هو حق له، ويقف مستسلماً ومسلماً بالعدالة والمساواة ولا يوظف الحرية في غير بابها، ولا يبالغ في جلد الذات، وينزل النصوص منازلها، ويعرف للناس قدرهم، ويتعامل مع المستجدات بعقلية المتفائل لا المتشائم والواثق لا المتذبذب والصادق لا الكاذب (وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) دمتم بخير وإلى لقاء والسلام..