التغيير عملية طبيعية في الحياة، بل إن الموت في حد ذاته هو تغيير من دار الفناء إلى دار البقاء، والتغيير إلى الأحسن هو المستهدف وحصد نتائجه يتطلب طول الأمد.
هناك علاقة ترتيب بين التغيير في المجتمع والتغيير في نفوس الأفراد المكونة لذلك المجتمع؛ التغيير في الفرد شرط سابق لحصول التغيير في المجتمع وبالتالي يتعين إعطاء المدة الكافية ليأخذ التغيير مكانه في نفس ذلك الفرد، ولكن سرعة وتيرة التغيير وظهور أشكال منه غير مألوفة جعل البعض يقاوم رياح التغيير التي تهب على المجتمع ظنا منهم أنهم يمارسون التغيير المنشود، والبعض الآخر يتصور أن تغيير المجتمع عمليه سريعة ويمكن تحقيقه بمجرد إطلاق شعارات تطالب الناس بتغيير ما في أنفسهم والاستدلال على وجوب التغيير بالآية القرآنية المشار إليها أعلاه. التغيير عملية تراكمية متصلة بالزمن، وتتطلب التحفيز المستمر لنزعة الترحيب بالتغيير لدى المتحفظين والمتخوفين من التغيير، وتتطلب الاعتماد على البحوث العلمية ذات المصداقية للحد من ظاهرة الاتكاء على الاجتهادات السطحية وأحيانا ضبابية أو المحرضة للمشاعر أو تلك المنفصلة عن الواقع؛ بمعنى تقريب المسافة بين المعرفة العلمية وبين دائرة صناعة الرأي، وخير وسيلة لتحقيق التغيير وفق منهاج مرسوم واجتهاد مؤسسي استحداث برنامج مصمم للتغيير الحضاري.. التغيير الحضاري عملية تتطلب التخطيط بعيد المدى “الإستراتيجي” الذي يأخذ في الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية ويحدد قطاعات وشرائح المجتمع، ويجيب عن سؤال “إلى أين نحن ذاهبون” آخذا في الاعتبار الرؤية المستقبلية للأمة.. العناصر الأساسية للتخطيط الإستراتيجي عوامل لا غنى عنها لتوجيه التغيير الحضاري في الاتجاه الصحيح، ومن أهمها تحديد أهداف واقعية قابلة للتحقيق وليست مثالية بعيدة المنال مع الأخذ في الاعتبار عنصر الزمن الذي يجب أن يكون طويل الأجل.. التخطيط الإستراتيجي عملية متجددة يتم تحديثها كل عام لدراسة المستجدات الخارجية والداخلية ويتطلب المراقبة والمتابعة بصفة دورية لقياس حجم الإنجاز ومقدار الانحراف عن المسار، كما سيعمل ذلك التحديث المستمر على نشر الوعي بين الناس بأن التغيير الحضاري برنامج ضخم وليس مجرد موضوع يتم الحديث عنه عندما تبرز المناسبة..
الخلاصة..
التخطيط الإستراتيجي يعتمد على التبصر بوضع الأمة في المستقبل وليس التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له.. التغيير من خلال التخطيط الإستراتيجي كان ولا يزال أحد الأسباب وراء نهضة اليابان وألمانيا ويستدل عليه من استغراقهما لمدة ستون عاما في خط الصعود حتى وصلا إلى موقع الصدارة بين الدول الصناعية بعد أن حولتهما الحرب العالمية الثانية إلى ركام، وفي المقابل غياب التخطيط الإستراتيجي عند المسلمين ويستدل عليه من حرصهم على منهج “اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا” وابتعادهم عن منهج “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا” فشغلهم الاستعداد لليوم الآخر عن التبصر بمستقبل الأمة فاتجهت نهضتها في خط انحدار بعد أن بلغت أوجها في عهد هارون الرشيد الذي روى التاريخ عنه حديث السحابة “أمطري حيث شئت فسيأتينني خراجك” في إشارة إلى مدى الازدهار في عهده.. التغيير المشار إليه في الآية الكريمة أعلاه يقتضى من المجتمع المسلم الأخذ بعدة أسباب ومنها العمل وفق برنامج إستراتيجي طويل الأمد يبدأ تطبيقه من تاريخ اليوم ويستهدف الجيل القادم..
khalid.alheji@gmail.comTwitter@khalialheji