نشرت هذه الجريدة «الجزيرة» قبل أمس، أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» اكتشفت فساداً وتلاعباً في عقود التشغيل والصيانة والنظافة، بناءً على بلاغات تلقتها من مواطنين، من أن هذه العقود يكتنفها الإهمال والفساد في أشكال متعددة، طيب؟ وبعدين؟.
واكتشفت أن هذه العقود يتم تنفيذها بشكل مخالف للشروط والمواصفات المنصوص عليها بالعقد، معقول؟ أول مرة نعرف أن هناك مخالفات للشروط، كنا نظن أن العقود تُنفذ بحذافيرها!
واكتشفت أيضاً أن هناك عدم تنفيذ الأعمال كلياً في بعض هذه العقود، صدق والله؟ يعني عقود على ورق، واستلام أو شفط المستحقات كاملة؟ فعلاً الله ينوِّر عليكم يا نزاهة، عرفنا الآن لماذا مشروعاتنا فاشلة ومهلهلة، لأن ما لها تشغيل ولا صيانة... إلخ.
يا جماعة الخير، يا هيئة مكافحة الفساد، لم يصدر أمرٌ ملكي بإنشاء هيئتكم الموقرة، إلا لأن بلادنا الغنية بالموارد والثروات تُعاني فعلاً من الفساد في عقود التشغيل والصيانة، وعقود النظافة، وعقود الإنشاءات والطرق والجسور، وعقود المقاولات و... و... إلخ.. لذلك من المتعارف عليه، حتى لدى ممن لا يعمل في الجهات التي تبرم مثل هذه العقود، ولا من قِبل الشركات التي تعمل في هذا المجال، أن ثمة فساداً علنياً في هذه الأنشطة، وهو بالفعل ما سبّب تأخرنا في كثير من مجالات التنمية، خصوصاً الإنشاءات والتشغيل والصيانة.
هذا الأمر الملكي الذي صدر قبل أكثر من سنتين أشار إلى مقاصد الشريعة التي حاربت الفساد، وأوجدت الضمانات، وهيأت الأسباب لمحاصرته، وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها، وأفرادها، ومستقبل أجيالها... لذلك لا يكفي أن نقرأ في الصحف مثل هذه الاكتشافات، نريد أن نقرأ عقوبات لهذه الشركة أو تلك، لهذا الموظف أو ذاك، فليس معقولاً أننا في هذا الزمن نسمع عن عقود صيانة وتشغيل لم تُنفذ كلياً، ومع ذلك حصلت المؤسسات والشركات المبرمة لهذه العقود على شهادة إنجاز، ومن ثم على مستحقاتها (غير المستحقة)، فمن الذي أصدر شهادة الإنجاز، وأي موظف قطاع عام يمتلك هذه الجرأة، لو لم يكن يدرك أن الأمر سائب و(منفلت)؟
علينا أن ندرك، أننا لن نتطور، ولن نحقق منجزات التنمية، ولن ننافس أبداً، ما لم يصبح ترتيبنا ضمن الدول المتقدمة الأقل فساداً، لن نحل مشكلاتنا في البطالة والسكن والصحة والتعليم و... إلخ، ما لم تصبح هيئة مكافحة الفساد الأكثر فاعلية، بل الأكثر تهديداً لهذه الكائنات التي عبثت وتجذَّرت في بلادنا، مالم نقرأ عن شطب مؤسسات وشركات، ما لم نقرأ عن فصل موظفي قطاع عام مرتشين، ما لم نسمع عن عقوبات مشددة في هذا الأمر الذي لا يختلف عن الإفساد في الأرض، لأن هؤلاء هم سبب تأخرنا، وتعثُّر التنمية والازدهار الاقتصادي المنتظر، فلا بد من اجتثاثهم بقوة القانون وسطوته.