1- النور له تبعات وأهم تبعاته الحرية.. والحرية تعني الاختيار وهذه من تبعاتها المسؤولية.. فالمسؤولية عبء يتفاوت الناس في قدرتهم على تحمّله.. كما يختلفون في مقدار هروبهم منها أو التزامهم بها.. والذين يهربون من المسؤولية لا بد أن يرتموا في أحضان شيء آخر يحلّهم من التزامهم بالمسؤولية.. فالإنسان الأول ارتمى في حضن الطبيعة وحمّلها مسؤولية حياته ومعيشته وبقائه.. وشعر حيالها بالضعف والهوان ولم يستطع مواجهتها ولم يحاول أن يسيطر عليها وأن يسخّرها لخدمته ونموه.. واكتفى بتقديم القرابين والأضحيات والنذور للطبيعة لعلها ترأف به وترحمه.. واستمر هذا الفكر الإنساني القديم مع تغيير في الوجهة.. وحل محل الطبيعة الزعيم الأوحد والكاهن ورجل الدين وقارئ الكف والفنجان ثم الحزب.. ورهن الفرد العادي البسيط حياته لهؤلاء يفكرون نيابة عنه ويخططون له ويملون عليه سير حياته.
2 - عرف (كانت) التنوير بأنه: تجاوز الإنسان للقصور.. والقصور هو عجز الإنسان عن استخدام فهمه دون توجيه الآخرين.. وعرف آخرون العقول المستنيرة بأنها التي تملك القدرة على هضم خلاصة القديم ومن ثم صبه في نماذج وقوالب معاصرة وجديدة.
3 - المسبب الأعظم في ارتداد الإنسان إلى الفكر القديم هو وقوعه تحت حكم سلطة مستبدة أو فكر شمولي يرسخ السلبية ويفرض وحدة التلقي.. وبذلك تحول الإنسان من فاعل إلى محل للفعل.. وبدلاً من أن يُحَفَّز على أن يتحمّل المسؤولية دُرِّب على أن يلقي بعبئها على الآخرين، سواء كانوا بشراً أو بيئة أو قَدَراً.. حتى تحولت بعض المجتمعات إلى مجتمعات مسلوبة الحرية والخيار.
4 - في عصور الظلام الأوروبي وقفت الكنيسة ضد التنوير.. ولم يكن السبب مفهوماً.. فكيف يُكَافَح التنوير في البيوت التي يعبد فيها الله.. ومن قِبَل الأشخاص الذين نذروا حياتهم تطوعاً لخدمة عباد الله.. واختلف الدارسون حول تحديد السبب هل هو جهل الذات أم تصادم المصالح؟
5 - ختاماً.. التنوير ككل المصطلحات الكبيرة استخدم كأداة للمراوغة الفكرية عوضاً عن استخدامه لتقريب المعنى.. لكن المتفق عليه أن التنوير يعني الجرأة الفكرية والجدة المعرفية والموقف النقدي من الذات والفكر والعقل والواقع.