عدت إلى الوطن بعد إجازة الصيف لأجد سيلاً من الدعوات للمشاركة إعلامياً في «مناسبة اليوم الوطني». تأتي كل عام وتبدأ بنفس التفاعلات: وسائل الإعلام الورقية وغيرها تستوضح رأي الأفراد حول المنجزات على ساحة الوطن.
بهذه الطريقة ستأتي كل الإجابات متشابهة ومتفقة فالوطن واحد وما أنجز فيه وما لم ينجز متفق عليه.
ماذا لو سألنا: كيف سنحتفي بالوطن في يومه؟ كيف سنعبر عن مشاعرنا؟ سؤال طرحته «رشا» في مشربية الشورى بعفوية متحمسة كعادتها تستفتي الحاضرات بسؤال بريء فأرسل في ذهني سيلا من التداعيات!
تذكرت ملاحظتي أن الأتراك في يومهم الوطني بآخر أغسطس الماضي نشروا الأعلام في شوارع المدن التركية مستجيبين لدعوة بتعليق علم الوطن على مبانيهم لإظهار ولائهم وحبهم للوطن. لعل الدعوة - كما شرح لي مرافقنا «جنان» الشاب التركي المثقف - كانت حركة ذكية من اردوغان. وقياسا بكم وحجم الأعلام التي رأيناها بين اسطنبول وأنطاليا فقد كانت مؤشرا واضحا لكثافة من استجابوا لدعوته.
لا نريد صخبا في الشوارع وسيارات مراهقية تطلق أبواقها بالإزعاج. فهل نستطيع أن نرفع أعلاما فوق واجهات مؤسساتنا وبيوتنا أو سياراتنا .. أو حتى نذكرها في مقالاتنا دون يتهمنا متطفل معترض بتهمة التطبيل؟
يعيدني صوت رشا إلى حوار المشربية : تقترح نصف جادة ونصف مازحة أن نلبس طرحا خضراء ! لم لا ؟ من قال إن هويتنا تختزل في لبس الأسود؟ من قال إن الهوية تختزل في أي شيء؟ تذكرت أن مواطننا الشاب ثامر القصيبي في سفارتنا ببروكسل أثناء زيارتنا كوفد سعودي لمقر البرلمان الأوروبي في بلجيكا. كان يتحلى بدبوس بسيط أخضر أنيق, يعلن انتماءه بهدوء وفخر, حيث نقش عليه السيفان والنخلة رمزا للسعودية. أبديت يومها إعجابي بالفكرة فأصر أن يقدمه لي كتحية من مواطن فخور بنا. سأبحث عنه فهو تلك اللمسة البسيطة التي تعبر عن فكرة عميقة ثم لا تنحدر إلى الاستعراضية الممجوجة.
فكرة أن نظهر مشاعرنا وحبنا واحتفاءنا بالوطن بهدوء ممكنة التحقيق وجديرة به؛ مجرد إضافة لمسة خضراء شفيفة تشير إلى رمزية الوطنية ! شرائط خضراء في جدائل صغيراتنا وخصلاتهن مثلا. تعلمهن الاحتفاء بالانتماء.
شخصيا لا يمكن أن أنسى يومنا الوطني وموعده في 23 سبتمبر . ذات عام سعيد حمل إلي تاريخ 23 سبتمبر إرهاصات قدوم طفلتي الأولى التي وصلت بالسلامة في اليوم التالي, فأحالت بحضورها البهي والحب الذي تدفق ترحيبا بها ارتباط فردين إلى مسؤولية أسرة ووعود مستقبل ممتد. الأسرة أول لبنة في الوطن.
ماذا لو احتفلت كل أسرة بيوم الوطن بتبادل الهدايا الرمزية؟
أليس الاحتفاء بالوطن هو الاحتفاء بالاستقرار والانتماء والتفاؤل بمزيد من الرخاء والرفاء؟ أليس أعمق وأجمل تجسيد لمعنى «عيد الحب» ؟
***
ولكن حب الوطن لا يكفي أن يكون مظهريا فقط .. لابد أن يتجسد في أفعالنا أيضا.
ماذا لو امتنع كل من يسوق سيارة عن ارتكاب مخالفات مرورية!
ماذا لو امتنع ليوم واحد عن إلقاء زجاجات الماء الفارغة وورق الكلينكس من شباك السيارة!
ماذا لو قرر أن يبادل كل من يقابله الابتسام والتحية حتى لو لم يكن يعرفه!
الحب ليس صخباً! بل فعل احترام واحتفاء راق.