في المجالات كافة تظل البيئات الحاضنة هي المسؤولة أولاً وآخراً عن إنتاج الجيد أو نقيضه الرديء.. يعني ببساطة: «فتش عن البيئة».
هاكم مثلاً: شعيرة (الاستخارة) كممارسة سنّها وحث عليها نبينا المصطفى - صلى الله عليه وسلم - طلباً للطمأنينة والثقة من أن الأمور قد أوكلت إلى من بيده مقاليد الأمور جميعاً.. وهو (سبحانه) العالِم الأوحد بالغيب وما يجري فيه؛ وبالتالي وجوب الرضا والقناعة بما يُقدِّر.. ثم تُفاجأ بمن (يسخر) من هذه الشعيرة، ويحيلها إلى مادة للتهكم والتندر، والانتقاص من مدارك الشخص الذي يلجأ لها عند الإقدام على أمر ما من أموره المصيرية اقتداءً بسيد الخلق (عليه الصلاة والسلام)؟!
لكنك تُفاجأ أكثر، وتتعجب أكثر بأنه على الرغم من سيل التوبيخ (الواجب) الذي قوبل به ذلك الساخر في حينه على أكثر من صعيد.. ومع ذلك تُفاجأ بآخر من البيئة ذاتها يقوم بالدور ذاته، عارضاً البضاعة ذاتها، فلا تجد بداً من التساؤل بمرارة: ألم يتعلم الثاني مما حصل للأول.. أم أنه لا يرى حرجاً في إعادة ارتكاب الخطأ ذاته.. أم أنه أصلاً لا يعلم شيئاً عن ردود الأفعال التي أعقبت فضيحة صاحبه، أم لعله جاد في البحث عن نصيبه من الأضواء بصرف النظر عن قُبح الفعل؟.. والمصيبة أن الأول والثاني ينتميان للإعلام، وهنا مكمن الحسرة؟!!
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
ما لنا ووجع الرأس؟!
سألتُ أحد الذين عهدتهم أكثر حرصاً على متابعة ودعم المنتخب والتفاعل معه على مدى سنوات طويلة دون كلل أو ملل.. سألته عن انطباعه عن أحوال الأخضر في هذه الآونة فقال: أصدقك القول.. الأمور لا تسر؛ لم أعد أشعر بذلك الحماس، وتلك الرغبة الملحة في المتابعة كما كنت في السابق.. بل صدقني إذا قلت لك إن ذلك الاهتمام قد تحول إلى العكس تماماً عقب هذا التحول المؤسف الذي يضرب أطنابه في عمق واقع كرتنا الخضراء بوجه عام، والأخضر بوجه خاص.. إذ إن هذا الواقع المرير أضحى يشكِّل لي صداعاً شديداً؛ لذا تشكَّلت لدي بالتالي قناعة فحواها (مالي ووجع الرأس)، ولاسيما في ظل تعاظم وتنوع وتكاثر الهموم الحياتية الأخرى التي لا ترحم، ولا تحتمل المزيد؟!
عاتبته في ذلك فقال: بالله عليك، ما هي الأشياء المتوخاة من وراء المشقّة في متابعة الكرة غير البحث عن متعة الأداء، وتحقيق الانتصارات، وبروز النجوم؟.. فهل ترى في الأخضر الآن شيئاً من ذلك؟ قلت: وما السبب في رأيك؟ فقال: إنها (نكبة) الاحتراف العشوائي، وزد على ذلك فشل إدارات جهات الاختصاص المتعاقبة في إدراك مكامن الخلل منذ البدايات، ومن ثم العمل بجد وإخلاص على تلافي الأخطاء.. لقد ظل اهتمامنا منصبًّا على صناعة وتلميع ونفخ الشخصيات وإبرازها أكثر من اهتمامنا بمواكبة التطورات والمتغيرات المتسارعة من حولنا، فكان من الطبيعي أن نصحو فنجد أنفسنا على أرصفة وقارعة الفاشلين.. ولن تقوم لنا قائمة إلاّ في حالة واحدة.. ألا وهي البدء من نقطة الصفر بعد أن يتم تنظيف مصادر القرار والجهات المعنية كافة من الحرس القديم، وممن ثبت للقاصي والداني أنهم (مصلحجية)؛ استغلوا مواقعهم ونفوذهم ليشكلوا معاول هدم وتخريب على مدى عقود.. ضاربين بسمعة واجهتنا الرياضية عرض الحائط.
تعليقي:
شخصياً، أرى أن الكثير من النقاط التي تضمنتها رؤى صاحبنا قد أصابت كبد الحقيقة.. فاحترافنا - مثلاً - لا يختلف عن صنوه (زواج المسيار) في شيء؛ إذ لا يتوافر له من شروط الزواج إلاّ الاسم فقط، في حين تسقط باقي الشروط والمقومات الأساسية المعتبرة، حتى وإن اكتسب صفة الشرعية. هذا جانب.. والجانب الآخر: هل من المعقول أن نستغرق كل هذه المدة ونحن ندور في حلقة مفرغة بحثاً عن ضالتنا التي تعيد لنا ولو القدر اليسير من هيبة سادت ثم بادت، لولا أننا فعلاً قد صببنا جُل اهتمامنا في نفخ الشخصيات غير المؤهلة على حساب الأهم؟ بدليل أننا لم نستطع الآن العثور على الشخصية الحقيقية التي بمقدورها انتشال كرتنا من وضعها البائس؟!!
الحشف ومكياله؟!
أحد زبائن قناتنا الرياضية (الصُفر)، ممن اعتادوا على ممارسة الفهلوة في تقديم أنفسهم وثرثرتهم وحتى في تقديم المعلومات المكذوبة.. كتب في زاويته الصحافية يوم الجمعة مستخفًّا ومخالفاً لتحليلات خبراء القانون حول الأحداث التحكيمية التي صاحبت مباراة الهلال والاتفاق، وكذا مباراة الأهلي والنصر، ويرى أن العكس هو الصحيح، لكنه - وكعادته - لم يتطرق لما جرى في مباراة نجران والنصر من جور وغبن تحكيمي!!
هذه - بلا شك - واحدة من أكبر مآسينا، وأسباب تدهورنا، حين تتحول بعض وسائل الإعلام لدينا إلى (مكاييل) لهذا النوع من البضاعة الرديئة؟!
fm3456@hotmail.com