القراءة المتفحصة لبنود الصفقة الروسية الأمريكية التي حدّدت آليات تجريد النظام السوري من الأسلحة الكيماوية، ومعرفة أسلوب تعامل هذا النظام مع التفاهمات الدوليَّة والإقليميَّة، التي عادة ما يلتف حولها ويُنفّذ ما يروق له بانتقائيَّة مما يعطل ما اتفق عليه.
هذه القراءة الواعية وتاريخ السلوك غير المطمئن لنظام بشار الأسد، يجعل المراقبين والمتابعين للملف السوري يتوقعون عملاً شاقًا لخبراء الأمم المتحدة الذين سيبحثون عن مواقع الأسلحة الكيماوية وإحراجًا كبيرًا لحلفاء النظام الروسي، الذي سيجعلهم منشغلين بالبحث عن أعذار لمخالفات النظام الحليف. أما الأمريكيون فسيكونون حذّرين دائمًا ومستعدين لتشغيل قوتهم العسكرية التي ستظل متحفزة طوال مدة التفتيش وصولاً إلى تدمير أو نقل الأسلحة الكيماوية، وهذا سيعيد ما شهدته المنطقة إبان زمن التفتيش عن الأسلحة النووية لنظام صدام حسين مع وجود فارق كبير، هو أن الأسلحة النووية لنظام صدام حسين كانت (شبهة) لم يثبت وجودها فضلاً عن استعمالها ومع هذا لم يترك المفتشون موقعًا عراقيًَّا إلا وفتشوه حتَّى قصور الرئيس الراحل صدام حسين، ومع أن المفتشين الدوليين الذين ضموا «جواسيس» رصدوا جميع المواقع العسكرية ونقاط القوة والضعف في البنية الدفاعية والعسكرية العراقية التي كانت أحد أهم أسباب الانهيار السريع للقوة العراقية. الآن ستكرر القصة والسيناريو وسيقوم المفتشون الدوليون ولا بُدَّ أن يتسرب إليهم من يرصد ويقوم بتحديد مواطن الضعف والقوة لدى النظام السوري ومع أنَّه لا يصل إلى ما كانت عليه القوة العراقية، إلا أن ذلك سيسهم في التخلص من نظام بشار الأسد إن حاول التملص من تنفيذ الالتزامات التي تفرضها عليه الصفقة الروسية الأمريكية، وبنفس المواعيد والمدد الزمنية التي أعلنت، وبما أن التنفيذ سيكون تحت «سيف البند السابع» فإنَّ أيّ محاولة من نظام بشار الأسد للتملص من التنفيذ سيجعله عرضة ليس للعقاب فقط، بل لإزاحته عن كاهل السوريين.
هذا الوضع المتأزم لنظام بشار الأسد الذي يحاصر رئيس النظام نفسه والحلقة الضعيفة من حوله سواء شقيقه ماهر الأسد وقريبه ابن مخلوف والضباط العلويون سيدفعهم إلى محاولة عرقلة ما اتفق عليه لأن «الطبع يغلب التطبع» وهو ما حصل من قبل نظام صدام حسين الذي يشارك نظام بشار الأسد في نفس الثقافة الشوفينية التسلطية، عندها ستحل بالنظام الكارثة التي يتوقعها الجميع له، ولهذا فإنَّ صفقة التخلص من الأسلحة الكيماوية للنظام السوري وإن لم تكن كافية في نظر المعارضة السورية، إلا أن الكثيرين يرونها بداية التحرّك العملي الجاد للتخلص من نظام بشار الأسد وبالذات من رئيس النظام شخصيًّا والدائرة الضيقة من حوله بعد أن أصبح هو وجماعته عبئًا حتَّى على حلفائه.
jaser@al-jazirah.com.sa