|
بقلم - جيف ستيبل:
في آب (أغسطس) الماضي، شُلَّت الحركة في بورصة «ناسداك» ثلاث ساعات؛ بسبب خلل في الاتصال بشبكة الإنترنت. إلى ذلك، توقَّف العمل ساعة كاملة في أكبر سوق مشتقّات في أوروبا؛ بسبب حصول خلل. وفي حقبة الهواتف الذكية والواي فاي التي نعيش فيها من السهل أن ننسى أن الإنترنت مرتبط ببنية تحتية فعليّة، مع العلم بأنّ الخوادم العملاقة التي تؤويها مبانٍ شامخة، والكوابل البصرية الضوئية العابرة للمحيطات، والمجموعة الهائلة من أجهزة التوجيه والمفاتيح العابرة للقارات، لم تغيّر وحسب طريقة التواصل فيما بيننا؛ إذ بدّلت أيضاً كل جانب من جوانب المجتمع العصري.
وبشكل عام، يُعتبر الأمر حسناً، لكنه من الضروري أن نكون مدركين لحدود الإنترنت، وسط اعتمادنا المتزايد على منافع هذه الشبكة الشاسعة، وأن نعرف ما ستكون عليه التداعيات المحتملة إن تخطّينا تلك الحدود، مع الإشارة إلى أنّ خطر توقّف كبير يهدّد سوق الأسهم أكثر من غيره.
تقضي غاية السوق بأن يكون أداة طويلة الأمد، تخوِّل الشركات جمع المال، والمستثمرين جني الثمار، بعد توظيف أموالهم لتطوير هذه الشركات. ولا شكّ في أنّ الأسواق فعّالة على المدى الطويل، وفي أنّ قيمتها تتزايد عموماً، إلاّ أنّ مواطن انعدام فعاليّة وعدم استقرار تظهر في السوق على المدى القصير، ويراهن عليها المتعاملون لتحقيق مكاسب وخسائر قصيرة الأمد.
ويُعتَبر هذا النوع من التداولات القصيرة الأمد بمنزلة مراهنة ذات طابع قانوني، وعلى الرغم من شيوعها منذ بدايات نظام السوق المالي استحوذت تقنيات الإنترنت، في القرن الحادي والعشرين، على التداولات القصيرة الأمد؛ ما أدّى إلى تسارعها الكبير. ويستخدم المتعاملون الناشطون في التداولات خوارزميّات معقّدة، بهدف استغلال الفوارق الدقيقة التي تظهر في أسعار التداولات مع الوقت، ولكن ليس على امتداد سنوات، أو أشهر، أو أيام، بل ضمن ثوانٍ ومللي ثوانٍ. وبصورة متزايدة، يُظهر الفائزون في هذه اللعبة الجديدة داخل سوق الأسهم عزمهم على عدم الاكتفاء بالخوارزميّات الأكثر رقيّاً، بل الاعتماد أيضاً على سرعة أجهزة الكمبيوتر التي تسمح لهم بالنفاذ إلى المعلومات الضرورية للمشاركة في الخوارزميات. ومن المعلوم أن العملية سريعة أصلاً؛ إذ تتجه الأخبار التي تغطّي حدثاً معيّناً من الوكالة إلى شبكة كمبيوتر المتعامل في غضون مللي ثوانٍ، إلا أن الفارق بين رصد المعلومات والتصرّف حيالها بوتيرة أسرع بمقدار نانو ثوانٍ قد يؤدي إلى خسارة المليارات أو ربحها. وتعتري جزيئات الثانية الصغيرة هذه (وهي أسرع بكثير من لمح البصر) أهمية قصوى، إلى حدّ دفع بعدد من المتعاملين إلى اتخاذ إجراءات جذرية لتحسين سرعة الاتصال بالإنترنت. وقد عمد كثيرون إلى شراء كابل خاص، وآل المطاف بأن يُقدم البعض على نقل شبكات الكمبيوتر التي يعملون عليها إلى مكان قريب جغرافياً من مراكز بيانات سوق الأسهم ومصادر الأخبار؛ ليدفعوا بالتالي مئات ملايين الدولارات للنفاذ المباشر إليها.
لقد صُمّم سوق الأسهم في الأساس على شكل نظام طويل الأمد، ولا شكّ في أنّ تنفيذ تكتيكات اللعبة القصيرة الأمد هذه محفوف بالمخاطر، ولاسيّما بالسرعة التي نتحرّك بها. وقد يقضي حلّ منطقي بالحدّ من حجم تداولات أي فرد أو مجموعة في سهم واحد، إلاّ أنّ الإقبال على ذلك يكاد يكون غائباً.
وكلما توقفت الشبكة يمكن توقّع نتيجتين: ففي أغلب المرّات تنهار الشبكة وتزول، إلا أن الأنظمة الداعمة لإحدى الشبكات، والمعتمدة على بنية تحتية قائمة، تبلي عادة بشكل أفضل، وهذا ما يقوم عليه نظام السوق المالي. وما دمنا لا نفرط في استخدامه ستزداد أسواقنا قوّة وفعالية، إلا أن التوصّل إلى ذلك يقضي بالتصرّف بطريقة متناقضة، فنعمل على إبطاء النظام؛ لنسمح له بالعمل بفعالية قصوى.
(*) جيف ستيبل رئيس مجلس إدارة ورئيس تنفيذي لشركة «دان أند برادستريت كريديبيليتي كورب». ويحمل أحدث كتاب له عنوان «التوقف: إنّ أسباب انهيار شبكة الإنترنت وتقادم وسائل البحث وكل ما ينبغي معرفته عن التكنولوجيا موجود في دماغك» Breakpoint: Why the Web Will Implode, Search Will Be Obsolete, and Everything Else You Need to Know About Technology Is in Your Brain.