الأربعاء الماضي كان الاجتماع الثاني والعشرون لعمداء كليات الطبِّ في المملكة العربيَّة السعوديَّة، الذي انعقد في رحاب جامعة حائل وحضره تسعة وعشرون عميدًا واعتذر عن الحضور اثنان فقط، وهذا يعني أن في المملكة العربيَّة السعوديَّة واحدًا وثلاثين كلية طبِّ، أكثر من الثلثين بلا مستشفيات!؟ ومعلوم بالضرورة الارتباط العضوي بين المستشفيات الجامعيات والكليات الصحيَّة عمومًا والطب على وجه الخصوص، إِذْ “يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم”، ولذا لا عجب أن تتربع سنة الامتياز على قائمة أولويات النقاش في جلسة هذا اللقاء، خاصة في ظلِّ ضعف مستشفيات وزارة الصحة في كثير من مناطق المملكة، وسوء بيئتها التدريبية فضلاً عن الخدميَّة والعلاجية، علاوة على صعوبة انتقال الطلبة والطالبات من مناطقهم التعليميَّة لتلقي جرعاتهم التدريبية - الميدانية التي تبدأ غالبًا في السنة الثالثة في مستشفيات العاصمة الرياض أو جدة أو المنطقة الشرقية أو القصيم أو...
لقد طرح هذا الموضوع من قبل وبقوة في كثير من المنتديات والملتقيات الرسمية والشعبية المباشرة وغير المباشرة عبر وسائل التقنية المُتعدِّدة والتواصل الاجتماعي المختلفة، وكان وما زال وسيظلُّ هاجسًا مقلقًا ومؤرقًا لمديري الجامعات الناشئة وعمداء الكليات الصحيَّة و.... ومن خلفهم صاحب المعالي وزير التَّعليم العالي والمعنيون بالشأن الأكاديمي في الوزارة.
لقد أراد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه- أن تكون جامعاتنا الناشئة في مناطق المملكة المختلفة منطلقًا ومرتكزًا للتنمية المستدامة المتكاملة والشاملة في جميع أجزاء الوطن، وإذا عدّدت المرافق ذات الأولوية والأَهمِّيّة في منظومة قطاعاتنا التنموية التي لها ارتباطٌ وثيقٌ وصلةٌ قويةٌ بإنسان الوطن وقاطنه، فإنَّ التَّعليم والصحة يأتيان في المرتبة الأولى كفرسي رهان، ففي القطاع الصحي تتحقق -بإذن الله- سلامة البدن، وفي التَّعليم بناء العقول وصناعة الأجيال، وحتى يتحقَّق هذا وذاك كان لزامًا أن تبنى وتؤسس المدن الجامعية، وأول وأهم ما في هذه المدن المستشفيات، ليس فقط من أجل أن تكون الحاضن الرئيس للتدريب والتدريس، ولكن لكونها تُعدُّ في بلاد العالم أجمع الرافد الرئيس في تقديم الخدمات العلاجية لسكان المنطقة والمقيمين فيها.
إنني اتطلَّع مثل غيري كثير ممن يعرفون حقيقة واقع عدد من مناطق المملكة الصحي، وأتكلم على منطقة حائل على وجه الخصوص، بصدق اتطلَّع وأتمنَّى أن تحظى المستشفيات الجامعية بالدعم الكبير واللا محدود من لدن مقام وزارة المالية، وأن تكون الترسية مرة واحدة دون اللجوء للمراحل المتتابعة التي تعيق مثل هذه المشروعات الحيويَّة وتطيل عمرها، وقد تتسبب في توقفها يومًا ما لا سمح الله فينعكس الحال سلبًا على المشروع التنموي والتَّعليمي والعلاجي في كثير من مناطق المملكة، ولو تَمَّ إسناد القيام ببناء مستشفيات المدن الجامعية الجديدة عن طريق أمر سامٍ كريم أو بالدعوات المحدَّدة لشركات بعينها، وأعطيت لأصحاب التجارب السابقة في تشييد مستشفيات بوزارة الصحة أو للشركات الكبرى كابن لادن أو سعودي أوجيه أو... أو شركات أجنبية متخصصة واشترط التسليم خلال سنتين مثلاً، ولم تعامل هذه المشروعات المفصلية مثل غيرها من مشروعات مدننا الجامعية.. لو تَمَّ ذلك لكانت بحقٍّ علامة فارقة وخطوة رائدة في مساراتنا التنموية المتقاطعة والمتوازية.
وعلى افتراض قول القائل: إن الكثير من المستشفيات الجامعية تمَّت ترسيتها وبدء العمل فيها يمكن القول: إن مرحلة الاستعداد والتهيئة للتشغيل هي أيْضًا بحاجة ماسَّة إلى مثل هذا الأمر السامي الكريم سواء في تسهيل الحصول على كلّ ما تحتاجه هذه المستشفيات من أجهزة عالميَّة مُتطوِّرة ومتقدمة، أو التَّوجيه لمن يلزم باعتماد وظائف طبيَّة وفنيَّة مُتعدِّدة، أو في إبرام عقود تشغيل وصيانة متنوعة حتَّى تولد هذه الكيانات وهي قوية وفاعلة بإذن الله. إن مقام وزارة التَّعليم العالي تبذل جهودًا متميزة في هذا العهد التنموي الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله- الذي يُعدُّ بحق عهد التَّعليم العالي بامتياز، ولكن هذه الجهود تحتاج إلى تكاتف جميع القطاعات الخدميَّة وممثليها في مناطق بلادنا المختلفة “الأمانات والنقل والصحة على وجه الخصوص” فضلاً عن وجوب وقوف ودعم وتفهم الوزارات المعنية ذات المسئولية المباشرة عن الاعتمادات الماليَّة “وزارة الماليَّة، الموارد البشرية، وزارة الخدميَّة المدنية”.
ومتى تحقق هذا وذاك فينعكس الحال إيجابيًا، وسيتعزِّز التكوين الأكاديمي والمهاري والتربوي لطلاب التخصصات الصحيَّة في جامعاتنا السعوديَّة، وسنرى خريجي هذه الجامعات أنموذجًا للتفوق والتَّميّز الفعلي وإلا ربَّما صاروا عبئًا إضافيًّا على منظري التنمية ومخططيها فضلاً عن مديري الجامعات ومسئوليها.. دمتم بخير وإلى لقاء والسَّلام.