للعقل حيلة عميقة لها أسبابها وهدفها جد نبيل.. لمجرد الحماية.. قد يحبس صاحبه خلف أسوار تزيد سماكتها كلما تقدَّمت به السنين.. ليقابل الفرص بشيء من البرود.. قد يصل حد العزوف عن خوض مغامرة أو علاقة بين طياتها تتوارى سعادته.. إنها لعبة الكبرياء.. تُبنى على أنقاض خسارة أو جرح أو علاقة انقطعت.. وتترك الإنسان تحت وصاية تجاربه السابقة.. يباغت أي خفقة قلب منتشية.. بسيلٍ من المخاوف كأنما الخطر في كل مكان.. والأوغاد تتربص به كي تسحق ما بقي منه.. والحقيقة أن خوفه يمنيه بالسلامة.. ويتشبث به ويحرمه الحركة.. ويعتقله في منطقته الباردة.
الحماية المبنية على الريبة دون تقدّم.. سلوك يمارسه الإنسان ضد نفسه وضد مَن حوله.. سجن تُكبت فيه الرغبات حتى تذبل.. وتهمة قُيِّدت ضد مجهول.. لجريمة متخيَّلة ليس لها وجود.. إنما هواجس تنامت وعظمت حتى أضحت عائقاً يمكن أن يحول الحيوان المتوحّش الكاسر.. إلى قطعة من مرعوبة كسولة.. إلى أن تموت فيه الجرأة والشجاعة.. فكيف بالإنسان؟ هذا المخلوق المفطور على البحث والاستكشاف.. كيف إن حبسته بين قضبان التوقعات والنبوءات.. دون أن يجرِّب مرة تلو المرة..فيتعثر لينهض.. يتذوَّق ليفرِّق بين السم والترياق.. يتألم ليفهم مواطن ضعفه.. يخسر ليدرك مكمن الربح.. يُهزم ليشعر بمهانة الذل فتنتفض كرامته.. فإن لم يخض المعترك.. ماذا يفعل بغرائز أنهكها التأجيل.. والتجويع.. والعطش.. وفي مرحلة حرجة تموت.. كل ذلك لأن العقل أطلق جنده تحسباً لخطر لم يدق أجراسه بعد.
وكلنا عرضة لحماية العقل الجبرية.. لكن لحظة نفهم دوافعه.. نستطيع أن نقول: لا بأس لنجرب أرضاً أخرى.. وحضناً مختلفاً.. وشريكاً منتظراً.. ما دامت الرغبة حيَّة نابضة.. وحتى لا تتحوَّل إلى حاجة تسحبه معها إلى أعماق الذل والخطيئة.. أو تحوّله إلى طاغية لا يمكنه أن يدرك أن القلوب تتألم وأن الفرص كالأنثى العابثة.. يخطب ودها الكثير.. ولا يقطفها إلا الشجاع ومن لا يرى في الإصرار مهانة.. بقدر ما هو إيمانه بذاته وأنه يستحق الأفضل وإن كان الأصعب.
للحظة.. استحضر تجاربك التي لم تنجح.. وانظر لعقلك كيف تجاوزها.. بالخوف أم باقتراح خيارات شتى.. فالحياة تضيق على من استكان لخيار واحد.. ومشى بطريق ذي اتجاه محدد.. وآمن أن الأمور لا يمكن أن تُدار إلا بطريقة واحدة.
لذا.. أحب من جديد.. واطرق باب رزق مختلف.. واقرأ كتاباً لعقل لا تحترمه.. وانظر للمكان الذي غضضت الطرف عنه.. ومد يدك وصافح أيدي جديدة.. باختصار.. لا تكن جباناً وتصدق خوفك على أية حال.
amal.f33@hotmail.com