الذي نعرفه أن عصرنا الحالي يُطلق عليه عصر التقنية، أما لماذا؟.. فالكتاب بائن من عنوانه فقد دخلت التقنية في كل أمور الحياة، وببساطة أطلق متخصصون على كل من لا يجيد التعامل مع الوسائط التقنية أنه «أمي» وليس من لا يقرأ ويكتب كما كان في الماضي. مع دخول التقنية لكل مفاصل حياتنا أصبح المتخصص فيها عملة نادرة وعليه أن يتشرط ويختار ما يريد هكذا تستقيم المعادلة.
العنوان هنا صادم لكل قارئ ولا يستقيم مع ما طرحت في المقدمة، فكيف يربط بين وفرة الوظائف في عصر التقنية ووجود تقنيين عاطلين عن العمل في بلادنا من خريجي الكليات التقنية بلغ عددهم وفق آخر الإحصاءات أكثر من ستة عشر ألف عاطل بعضهم بدون عمل منذ أكثر من أربع سنوات، ويُمثِّل هذا العدد حوالي 20% من المسجلين في نظام حافز، وهو لا شك رقم ضخم لعاطلين في تخصصات مطلوبة مثل الحاسب الآلي والميكانيكا والتبريد والتكييف والكهرباء وغيرها من التخصصات.
الخريجون أنهوا دراساتهم في الكليات واتجهوا للبحث عن العمل حسب وعود المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني فاصطدموا بسيطرة العمالة الوافدة على وظائفهم، وحجة صاحب العمل أن هؤلاء الأجانب يمتلكون الخبرة والتأهيل العالي أكثر من السعودي وليس لديه استعداد للمجازفة وفتح الباب أمام خريجين جدد يحتاجون سنوات من التأهيل ثم التدريب واكتساب الخبرة. هذه الحقيقة لم تظهر اليوم ولكنها من سنوات طويلة، وكان على المؤسسة أن تأخذ هذه الردود على محمل الجد وتراجع نظمها الداخلية لتحسينها والارتقاء بها لدرجة الجودة بمناهج تطبيقية وعملية تخضع الدارس للتجربة الميدانية الثرية في المصانع داخل الشركات الضخمة كما هو الحال في الكليات الصناعية التابعة للهيئة الملكية في الجبيل وينبع القريبة منها، ولم أبالغ لأنصحها باستنساخ تجارب اليابان وأمريكا وأوربا، أو حتى ماليزيا وتركيا! لكن المؤسسة التي تقع تلك الكليات تحت إدارتها أبحرت في اتجاهات معاكسة لاتجاه الجودة الذي يركز على النواحي النوعية من التعليم والتدريب بقصر التطوير على النمو الكمي فتوسعت في إنشاء الكليات التقنية للبنين والبنات حتى بلغ عددها أكثر من أربعين كلية تعاني من الخلل في سوء البنية التحتية وضعف التأهيل والتدريب عبر مناهج نظرية لا تبرز قدرات ولا تدرب على مهارات، إذ المفترض أن يتجه الطالب بعد التخرج فوراً للعمل وهو مهيأ تماماً، وتعاني الكليات من أنظمة أدخلت بهدف التحسين مثل نظام التقويم المستمر والنظام الثلثي، أي تقسيم السنة إلى ثلاثة فصول دراسية، لكنها دفعت بها إلى اتجاهات عكسية لأن نظام التقويم المستمر أضعف التحصيل لدى الطالب، أما النظام الثلثي فهو مترنح حالياً بسبب عدم تقبل الطلاب له لأنه طُبق دون دراسة للواقع، الغريب هو استمرار المؤسسة في سياستها بالتوسع الأفقي فمحافظها في آخر تصريحاته أكد أن عدد المتدربين في الكليات في عام 2020 سيقفز إلى 300 ألف فما الفائدة من تدريبهم وتأهيلهم في ظل نظم تعليمية تفتقد لأبسط مقومات الجودة؟.. وما الفائدة التي سيجنيها المتدربون إذا لم يتوافر لهم فرص حقيقية في سوق العمل؟
العجيب أن أعضاء مجلس الشورى قد طرحوا رأيهم بهذه الكليات بأنها بدائية جداً، ويجب أن تُدمج في الجامعات لتطوير مستواها لكن لم ير مقترحهم النور.
حان الوقت لإيقاف الهدر، فميزانية المؤسسة تجاوزت حالياً خمسة مليارات، وما زالت الكليات تدفع بمزيد من العاطلين لا الخريجين والمتضرر في النهاية الوطن والخريج الذي لا حول لا حول له ولا قوة.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15