|
الجزيرة - عبدالمجيد إدريس والوكالات:
انتعشت أسواق المال والأسهم العالمية والمعادن النفيسة والنفط أمس، بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي المفاجئ أمس الأول بتأجيل بداية تقليص برنامجه الضخم للتحفيز النقدي بمواصلته لمشتريات السندات بوتيرته الحالية البالغة 85 مليار دولار شهرياً، قائلاً إنه يرغب في الانتظار إلى حين ظهور المزيد من الأدلة على نمو اقتصادي قوي. فيما انعكس القرار سلبا على سعر الدولار وعوائد سندات الخزانة الأمريكية.
وأكد لـ «الجزيرة» مختصون ماليون أن الاقتصاد السعودي سيشهد انتعاشا لاسيما في بعض القطاعات الحيوية ومنها قطاع صناعة البتروكيماويات، مرجعين ذلك إلى أن القرار سيدفع باتجاه مزيد من الاستهلاك الأمريكي للسلع كالسيارات والأدوات المعمرة، مما سيرفع من حجم الطلب على منتجات البتروكيماويات. فيما ذهب آخرون إلى أن القرار سيسهم بشكل كبير على إبقاء أسعار النفط العالمية عند مستوياتها الحالية ما يعني استمرار توفر السيولة العالية في الاقتصاد المحلي، وهو الأمر الذي بدوره سينعكس إيجاباً على حجم السيولة في القطاع البنكي بحيث ستظل قوية، وبالتالي استمرار تأثيره في بقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية.
وقال المحلل المالي محمد الضحيان، إن القرار الأمريكي سيكون له ميزات بالنسبة للأصول والاعمال في أمريكا حيث إن تلك العملية ستساعد على استمرارية الانتعاش الكلي للاقتصاد الأمريكي وبالتالي هي أسلوب من أساليب ضخ مبالغ نقدية في الاقتصاد الأمريكي، وقد رأينا انعكاس ذلك في انخفاض معدلات البطالة على أقل مستوى بلغت أقل من المستويات الموجودة في 2008. وأكد الضحيان أن القرار يحفز إلى كثير من الاستثمار وضخ الاستثمارات في مجالات كثيرة في الاقتصاد الأمريكي من جهة والاقتصاديات العالمية من جهة أخرى، حيث أن معدلات الفوائد تعتبر هي القياس بالنسبة للأسواق العالمية وهذا سيدفع إلى استهلاك كثير من المواد الاستهلاكية أو الاقتصادية الأخرى كالسيارات والأدوات المعمرة التي ستعتمد على سهولة تكلفة الاستثمار، وهو الأمر الذي سينعكس ايجابا على الاقتصاد المحلي بطريقة أخرى خاصة على صناعة البتروكيماويات السعودية.
وألمح الضحيان إلى الجانب السلبي من القرار الأمريكي، قائلاً: إن حجم الودائع المكلفة لدى البنوك ورأس المال تبلغ أكثر من تريليون ريال وهذه المبالغ توظف على فوائد اقل من 1% وبالتالي العائد لدى قطاع البنوك لا يزال منخفض جداً، وعليه اعتقد أن القطاع المصرفي سيعاني من الفوائد المتدنية باعتبار أن هذا القطاع ليس لديه إمكانية لزيادة أرباحه بأسلوب أكبر وأقوى من الأساليب السابقة، وعليه نعتقد في حالة استمرارية التيسير الكمي ستظل الفوائد على هذا المنوال.
وتابع «علينا في المملكة أن نتوخى تلك العملية ونستقبلها بأسلوب اقتصادي حيث إن هذا وضع السوق العالمي وسيستمر لفترة غير قصيرة»، مرجحا عدم ارتفاع أرباح القطاع المصرفي المحلي لكنها ستظل عند مستوى النمو الطبيعي، مرجعا ذلك إلى اعتبار أن السعودية أكثر دولة لديها حجم للودائع غير المكلفة.
من جهته، قال الاقتصادي الدكتور عبد الوهاب أبو داهش إنه من الواضح أن «الفيدرالي الأمريكي» كان متردداً خلال الشهرين الماضيين والقرار في الاستمرار ببرنامجه للتحفيز النقدي هو المفاجئ للأسواق، ليس القرار نفسه، وإنما السوق كان يتوقع كلام آخر غير الذي صدر.
وأشار إلى أن التيسير الكمي سيبقي أسعار الفائدة منخفضة لوقت طويل جداً وسيجعل السيولة متوفرة بشكل كبير لفترات أطول، لافتاً في هذا الصدد إلى أن «الفيدرالي الأمريكي» مازال يتخوف من سقف الدين العام الذي سيكون محور مناقشة الكونغرس في منتصف شهر أكتوبر، وأيضا من أرقام البطالة لأنه يرغب في تحقيق أرقام بطالة أفضل، إلى جانب أن القطاع البنكي الأمريكي يحتاج كذلك إلى بعض الدعم ولذلك هو مستمر في هذا الاتجاه. وبشأن انعكاس القرار الأمريكي على الاقتصاد السعودي، توقع أبوداهش أن سيسهم بشكل كبير على انخفاض سعر الفائدة لوقت غير معلوم، كما سيعزز من بقاء أسعار النفط عند مستوياتها الحالية وبالتالي استمرار وجود السيولة العالية، وهو الأمر الذي بدوره سينعكس أيجابا على حجم السيولة في القطاع البنكي في السعودية بحيث ستظل قوية، وبالتالي تأثيره هو في بقاء أسعار الفائدة.
وتراجعت العملة الأمريكية مقتربة من أدنى مستوى في سبعة أشهر مقابل سلة عملات رئيسية أمس، حيث هبط مؤشر الدولار 0.1 بالمائة بعد أن نزل 1.2 بالمائة في الجلسة السابقة وهو أكبر انخفاض ليوم واحد في أكثر من شهر ين. وتراجع المؤشر لمستويات لم يبلغها منذ ما قبل طرح بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي فكرة تقليص التحفيز للمرة الأولى في مايو. وبلغ مؤشر الدولار 80.127 في أحدث قراءة بعد أن نزل إلى 80.060 أمس الأول وهو أدنى مستوياته منذ فبراير.
واقترب الجنيه الاسترليني من أعلى مستوى في ثمانية أشهر 1.6164 دولار الذي سجله يوم الأربعاء عندما حقق أكبر زيادة بالنسبة المئوية ليوم واحد في ثلاث سنوات، وبلغ أحدث سعر للعملة البريطانية 1.6135 دولار. واتسم أداء العملات مرتفعة العائد بالقوة، وارتفع الدولار النيوزيلندي 0.6 بالمائة إلى 0.8411 دولار أمريكي. وسجلت العملة أعلى مستوى في أربعة أشهر عند 0.8415 دولار مستفيدة من بيانات أظهرت نمو اقتصاد نيوزيلندا بمعدل أفضل من المتوقع في الربع الثاني من العام. وأثرت موجة صعود الأصول عالية المخاطر على الين الذي يعتبر ملاذا آمنا وساعدت الدولار على تعويض بعض خسائره. وارتفعت العملة الأمريكية 0.65 بالمائة إلى حوالي 98.66 ين مبتعدة عن أدنى مستوى في ثلاثة أسابيع 97.76 ين الذي سجلته يوم الأربعاء.
وهبطت عوائد سندات الخزانة الامريكية إلى أدنى مستوياتها في أكثر من شهر بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي في مفاجأة للمستثمرين الذين كانوا يتوقعون ان يخفض البنك المركزي الامريكي حجم البرنامج. حيث تراجع عائد سندات الخزانة القياسية لأجل عشر سنوات إلى 2.68 بالمائة من 2.86 بالمائة قبل بيان المركزي الأمريكي بعد أن سجلت مستوى أكثر انخفاضا بلغ 2.673 بالمائة هو الأدنى منذ 13 أغسطس. وتراجع عائد سندات الخزانة لأجل خمس سنوات إلى 1.44 بالمائة من 1.63 بالمائة قبل بيان مجلس الاحتياطي. وانخفض عائد السندات لأجل 30 عاما إلى 3.77 بالمائة من 3.84 بالمائة. وكانت عوائد سندات الخزانة الامريكية قد صعدت على مدى الصيف بفعل توقعات بأن البنك المركزي سيخفض مشترياته من السندات البالغ قيمتها 85 مليار دولار شهريا والتي تمثل حجز الزاوية في مساعيه لتحفيز الاقتصاد.
في المقابل، ارتفع اليورو إلى أعلى مستوى في ثلاث سنوات ونصف السنة مقابل الين أمس مع تعرض العملة اليابانية التي تعتبر ملاذا آمنا لضغوط نزولية جديدة وسط موجة صعود للأصول والعملات عالية المخاطر. فيما ارتفع اليورو إلى أعلى مستوى في سبعة أشهر ونصف وسجل في أحدث معاملة 1.3538 دولار بعد صعوده في وقت سابق إلى 1.3546 دولار. وارتفعت أيضا الأسهم والسلع الأولية والعملات مرتفعة العائد. وزاد اليورو إلى 133.985 ين على منصة التداول إي.بي.اس وهو أعلى مستوياته منذ أوائل يناير 2010 وبزيادة 1.5 بالمائة عن الإغلاق السابق.
وحام المعدن النفيس قرب أعلى مستوى في أسبوع أمس بعد أن فاجأ مجلس الاحتياطي الاتحادي الأسواق بتأجيل تقليص تحفيزه النقدي المفيد للسلع الأولية ومع انخفاض الدولار لأدنى سعر في سبعة أشهر. وقفزت عقود الذهب الأمريكية 4.6 بالمائة بفعل القرار وزادت عقود الفضة 7 بالمائة مقتدية بمكاسب الأسعار الفورية في الجلسة السابقة. لكن المكاسب ظلت محدودة بفعل غياب الصين - المشتري الرئيسي - عن الأسواق بسبب عطلة عامة.
وتراجع السعر الفوري للذهب 0.2 بالمائة إلى 1362.24 دولار للأوقية (الأونصة) بعد أن لامس في وقت سابق 1367.86 دولار وهو أعلى سعر له منذ 11 سبتمبر. وارتفعت الفضة 0.5 بالمائة لتسجل 22.98 دولار للأوقية. وزاد البلاتين 0.1 بالمائة إلى 1464.50 دولار، وتقدم البلاديوم بالنسبة ذاتها إلى 717.72 دولار للأوقية.
وبشأن سوق النفط، ارتفع خام برنت للجلسة الثانية على التوالي أمس بعد قرار الإبقاء على برنامج التحفيز النقدي، لكن الارتفاع صار محدودا بعد أن تعهد الرئيس الإيراني بأن حكومته لن تنتج أبدا أسلحة نووية. وارتفعت عقود خام برنت لشهر نوفمبر 58 سنتا إلى 111.18 دولاراً للبرميل، بينما ارتفع الخام الأمريكي 72 سنتاً إلى 108.79 دولاراً للبرميل.
وحقق برنت والخام الأمريكي في الجلسة السابقة أكبر مكاسبهما على مدى ثلاثة أسابيع حيث فوجئ المستثمرون بالقرار، الأمر الذي أضعف الدولار وعزز الطلب على الأصول عالية المخاطر. وتصبح السلع المسعرة بالدولار أكثر جاذبية لحملة العملات الأخرى عندما تتراجع العملة الأمريكية.
وفي أوروبا، فتحت أسواق الأسهم الأوروبية على ارتفاع أمس بعد القرار الأمريكي وهو ما دفع مؤشرات المنطقة للارتفاع إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات. حيث سجل مؤشر داكس الألماني مستوى قياسيا جديدا وارتفع كاك الفرنسي ويوروفرست 300 لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى إلى أعلى مستوى في خمس سنوات، وزاد مؤشر يورو ستوكس 50 للأسهم القيادية بمنطقة اليورو إلى أعلى مستوى منذ مايو 2011.