بمناسبة اليوم الوطني لمملكتنا الغالية حفظها الله من كل مكروه، سوف أتحدث اليوم عن تاريخ صناعة النفط السعودية ودور بعض الرواد الأوائل بقيادة الملك عبدالعزيز رحمه الله ومستشاريه في بناء هذا القطاع الحيوي. إن تاريخ النفط في المملكة يعود إلى بداية القرن 20 عندما أبدت الدول العظمى في ذلك الوقت اهتمامها بهذه المنطقة لتأمين إمدادات النفط لدعم أساطيلها البحرية في الحرب العالمية الأولى.
لهذا السبب أبدت بريطانيا اهتمامها -عن طريق شركة البترول الفارسية الإنجليزية- في البحث عن البترول في منطقة الشرق الأوسط ابتداء بإيران عام 1901م، ثم العراق عام 1925م، ثم البحرين حيث حصلت الشركة البريطانية على امتياز التنقيب عام 1925م. كان لدى الشركة اعتقاداً قوياً بأن البترول يوجد بكميات كبيرة في الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية حيث بدأ الاتصال بجلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1922م وتم بعدها توقيع المعاهدة. أحضرت هذه الشركة الإنجليزية جيولوجي سويسري اسمه ايسترن إلى إقليم الأحساء حيث قام بمسح جيولوجي للمنطقة واستنتج أن اكتشاف بترول في الساحل الشرقي للمملكة مغامرة لدرجة أن البنوك البريطانية أوقفت دعمها لهذه الشركة مما ترتب عليه عدم استمرار أعمال التنقيب حتى نهاية مدة الامتياز.
كما أن البريطانيين لم يكونوا جادين في البحث عن البترول في البحرين مما أدى إلى شراء هذه الشركة من قبل شركة كاليفورنيا للبترول الأمريكية (سوكال) التي بدأت أعمال التنقيب بعد التوقيع الرسمي بأحقية إمتياز التنقيب وإنتاج البترول مع الحاكم البحريني عام 1930م. استمرت أعمال التنقيب في البحرين حتى تم اكتشاف البترول عام 1932م. الأخبار السارة القادمة من البحرين وحكمة جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله ونظرته الثاقبة ارتأت ضرورة الاستمرار في أعمال التنقيب, حيث أوكل جلالته -بعد استشارة بعض مستشاريه- مهمة عمل مسح جيولوجي جديد للمنطقة لأحد الجيولوجيين المشهورين آنذاك أسمه كارل تويشيل. بعد الانتهاء من المسح الأولي كتب تويشيل تقريراً يفيد بأن وجود البترول في البحرين يجعل احتمالية وجوده في المملكة كبيرة جداً.
ذهب تويشيل إلى أمريكا بتكليف من جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه لإيجاد شركة يمكن أن تنقب عن البترول في المملكة, ونجح تويشيل بإقناع رؤساء شركة سوكال الأمريكية والتي اكتشفت البترول في البحرين بقبول بدء المفاوضات مع الحكومة السعودية للتنقيب عن البترول. كان هذا الاتفاق يمثل أول تعاون اقتصادي بين المملكة وأمريكا حيث كانت المملكة في ذلك الوقت دولة فتية بعد توحيدها وتحتاج إلى أموال لبناء دولة عصرية تحقق حلم الملك عبدالعزيز رحمه الله، أما الاقتصاد الأمريكي فكان في بداية تعافيه من الكساد الاقتصادي الكبير عام 1929م.
وصل الجيولوجي تويشيل وفي صحبته السيد هاملتون (محامي شركة سوكال) إلى المملكة عام 1933م وبدأت المفاوضات بين حكومة المملكة بواسطة وزير المالية آنذاك الشيخ عبد الله السليمان وشركة سوكال حتى تم التوقيع على امتياز التنقيب عن البترول في المنطقة الشرقية عام 1933م. بعد أقل من 4 أشهر من التوقيع, بدأ وصول الجيولوجيين التابعين لشركة سوكال إلى المملكة. استمرت أعمال التنقيب من قبل شركة سوكال لمدة تزيد عن السنة. وبدأت أعمال الحفر في منطقة الدمام ابتداءً ببئر الدمام 1 وذلك عام 1935م ثم الدمام 2 ثم الدمام 3 ثم الدمام 4 ثم الدمام 5 ثم الدمام 6 ثم الدمام 7. وكان الحفر يصل إلى نفس العمق الذي اكتشِفَ فيه البترول في البحرين بدون ظهور أي علامات لوجود النفط. كانت الضغوط تزيد على المسؤولين في شركة سوكال الأمريكية مع مرور الوقت لارتفاع تكاليف التنقيب والحفر. بعد مرور ثلاثة أعوام من الحفر وخمسة أعوام على اتفاقية الامتياز كانت الأخبار السيئة بعدم اكتشاف البترول تصل إلى مركز الشركة في سان فرانسكو الأمريكية, فأصبح جميع المسؤولين في الشركة في حالة تشاؤم لعدم نجاح مغامرتهم في المملكة, وكانوا على وشك سحب أعمال الشركة من المملكة. وقبل اتخاذ قرار وقف عمليات الحفر بأيام معدودة وبناءً على توصيات مهندسي وجيولوجيي الشركة بقيادة الجيولوجي الفذ ستاينكي الذي تولد لديه إحساساً قوياً بوجود كميات هائلة من النفط في المنطقة، أخِذ قراراً حكيماً بتعميق بئر الدمام 7 عما وصل إليه الحفر سابقاً. فكانت اللحظة المباركة بتدفق أول قطرة بترول من هذه الأرض المباركة لِتتحقق بذلك النظرة الثاقبة لجلالة الملك عبد العزيز رحمه الله وتؤكد الإحساس القوي لدى الجيولوجي الفذ ستاينكي. كان ذلك في يوم الرابع من مارس من عام 1938م والذي يمثل الانطلاقة الفعلية لصناعة البترول السعودية وابتداء عهداً جديداً قاد المملكة إلى مصاف الدول الحضارية المتقدمة لتصبح اليوم ضمن أقوى عشرين اقتصاد عالمي. واعترافاً بفضل المحامي هاملتون والجيولوجي ستاينكي, أطلقت شركة أرامكو السعودية أسماؤهم على بعض مباني الشركة لتخليد أسمائهم كأحد رجالات صناعة النفط السعودية الأوائل. ولا ننسى كارل تويشيل وأخيرا حنكة المؤسس جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وحنكة مستشاريه التي أصرت على استمرار عمليات التنقيب وكتابة تاريخ جديد لهذه الأرض الطيبة.
ختاماً: بالنيابة عن جميع مهندسي البترول السعوديين أود أن أنتهز هذه الفرصة المباركة لرفع آيات التبريكات لمقام جلالة الملك عبد الله -حفظه الله- وولي عهده الأمين وجميع الشعب السعودي بهذه المناسبة المباركة سائلا المولى جل جلاله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه.
www.saudienergy.netTwitter: @neaimsa