|
الرياض - «الجزيرة»:
يتهاون بعض المسلمين من أداء فريضة الحج، وهي الركن الخامس من أركان الإسلام بحجة أنه لم يصل إلى مرحلة متقدمة في السن، وتارة إلى أنه لم يجد الوقت الكافي لأداء هذه الفريضة التي أوجبها الله في العمر مرة واحدة مع توفر الاستطاعة على ذلك -فمن كافة جوانبها- قال تعالى-:{وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (97) سورة آل عمران. ولاسيما في المجتمعات ذات الدخول الاقتصادية المرتفعة.
وأمام هذا التساهل والتهاون من بعض المسلمين كان حرياً بالأئمة الخطباء والدعاة أن تكون لهم جهود في توعية المسلمين، وتوجيههم بالحرص على أداء هذه العبادة العظيمة، والمبادرة إلى أدائها.
وجوب الحج
يؤكد الدكتور حمود بن محسن الدعجاني عضو الجمعية الفقهية السعودية: أن الحج واجب على الفور مع الاستطاعة، أما العاجز فلا حج عليه، لكن لو استطاع ببدنه وماله وجب عليه، وإذا استطاع بماله، ولم يستطع ببدنه؛ لكونه هرماً أو مريضاً لا يرجى برؤه، فإنه يقيم من ينوب عنه، ويحج عنه. ومن رحمة الله بعباده أن جعل الحج والعمرة فرض العمر، فلا يجب سوى مرة واحدة وما بعده، فهو تطوع، وقد تواترت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الحج، منها قول الله -عز وجل-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإسلام قال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلاً) أخرجه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإسلام قال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر) أخرجه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة، وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة - رضي الله عنها -: (على النساء جهاد لا قتال فيه: الحج، والعمرة).
خطبة الجمعة
ويؤكد الدعجاني أن لخطباء الجمعة أثراً عظيماً في توعية الناس بوجوب الحج على الفور فخطبة الجمعة شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام تتكرر على المسلم في كل أسبوع مرة، وغايتها التذكير والوعظ، وبيان نصوص الكتاب والسنة للناس، والتصدّي للمخالفات والأخطاء التي تقع منهم، وبيان حكمها الشرعي، وبيان الحلال والحرام، وتوضيح العبادات والأحكام الشرعية. ومن العبادات التي ينبغي للخطيب أن يحرص على بيانها للناس: عبادة الحج، وبيان فضله، والحث على التعجل إليه، وبيان أحكامه وآدابه، كما ورد ذلك في الكتاب والسنة. ولا ريب في أن الحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه والإرشاد، وممَّا يُعَاب على بعض الخطباء خوضهم في أثناء الخطبة في تفصيلات فقهية وتفريعات وخلافات بين أصحاب المذاهب، ممَّا يوقع المستمعين في اللَبْس والغموض، وهذا ينبغي للخطيب أن يبتعد عنه، ويكتفي بالمجمع عليه، والواضح الذي لا إشكال فيه وما عليه الفتوى، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (وكان مدار خطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام)، وأيضاً مما يجب التنبيه عليه أن كثيراً من الناس يتعمدون إلى تكرار الحج بدون تصريح فيخالفون الأنظمة المرعية التي جعلها ولي الأمر للتسهيل على الحجاج وتيسير أداء نسكهم، ويحدث الزحام الشديد في المشاعر، وقد لا يتمكن الذين يؤدون الفرض من أداء النسك على الوجه الصحيح بسبب الزحام، وهذا من عدم الفقه في الدين، فحج النافلة ليس واجباً، وطاعة ولي الأمر واجبة، فيقدم الواجب على النافلة، قال - تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } (59) سورة النساء، كما أن الأنظمة التي لا تخالف الشرع يجب العمل بها، وهي من باب السياسة الشرعية، ومبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد.
تعجلوا إلى الحج
ويبين الدكتور خالد بن هدوب المهيدب رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأمير سلمان بن عبدالعزيز: أن المتأمل في النصوص الواردة يقف على أنها تحث على ترغيب المسلم المكلف بالمبادرة بأداء فريضة الحج، وترهب من التساهل في أدائها مع الاستطاعة البدنية والمالية، ففي الحديث الذي يرويه الإمام أحمد يقول -عليه الصلاة والسلام-: (تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)، وجاء في الأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار , فينظروا كل من كان له جدةٌ ولم يحج , فيضربوا عليهم الجزية , ما هم بمسلمين , ما هم بمسلمين) فالواجب على كل مكلف مقتدر أن لا يسوف، وأن يسعى جاهداً لأداء فريضة الحج قبل أن يفاجئه الأجل، ويقع على كاهل الدعاء والخطباء مسؤولية توعية عموم المسلمين بعظم هذه الشعيرة، وحثهم على المبادرة بتأديتها.
الحج والمبادرة
يقول الشيخ يوسف بن سليمان الهاجري إمام وخطيب جامع والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بحي الفلاح بمدينة الرياض: إنه لا أفضل ولا أكمل من الحث على أداء فريضة الحج بما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول اللهُ - جلَّ وعلا-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (97) سورة آل عمران, وقالَ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: «يا أيُّها الناسُ: إنَّ اللهَ قدْ فَرَضَ عليكُم الحَجَّ فحُجُّوا».
فالحَجُّ والعُمْرَةُ من أفضلِ العباداتِ وأجلِ القُرُبَاتِ، بهما تُحَطُّ الأوزارُ، ويَثقُلُ ميزانُ العبدِ بالحسناتِ، ويُرفَعُ في الجنةِ إلى أَعلى الدرجاتِ، يرجِعُ أقوامٌ من تلكَ المشاعِرِ المقدّسةِ إلى بيوتِهم ليس عليهم ذنوبٌ، كيومِ ولدتْهُم أمهاتُهُم، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «من حَجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ رَجَعَ من ذنوبِه كيومِ ولدتْهُ أمُّه».
والحَجُّ طريقٌ إلى الجنةِ كما قالَ صلى الله عليه وسلم: «الحَجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنَّةَ»، وفي السُنَنِ من حديثِ ابنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «تابِعُوا بين الحَجِّ والعُمْرَةِ؛ فإنَّهما ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ كما ينفِي الكيرُ خَبَثَ الحديدِ»، وقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ».
وعجباً.. لمن تجاوَزَ العشرينَ سنةً أو الثلاثينَ أو الأربعينَ أو ربما الخمسينَ، وعنده القدرة المالية والجسدية، ولم يَخْطُر ببالِه أن يَحُجَّ بيتَ اللهِ الحرامَ، أو نَوى لكنْ تَكَاسَلَ وأَخَّرَ وسوَّفَ، وقدْ تكرَّمَ اللهُ عليه بصحةٍ في الجِسمِ وعافيةٍ في البدنِ وسَعةٍ في المال وأمنٍ في الوطنِ، ثم هو يُسافِرُ في الإِجازاتِ إلى مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِها، فإذا جاءَ موسمُ الحَجِّ جاءتْ الأشغالُ والمثبِّطاتُ، أو تجاهَلَ وتناسَى، وكأَنَّ الحجَّ ليسَ رُكنًا من أركانِ الإسلامِ العظامِ
فمن كان مُستطيعًا للحَجِّ، ولم يحُجَّ، فليتقِ اللهِ، وليستعنْ به، وليبادرْ إلى هذه العبادةِ العظيمةِ، ليبرِئَ ذمَّتَه أمامَ اللهِ، وكذلك من تيسَّر له الحجُّ؛ ليشهدوا منافِعَ لهم، ويذكُروا اسمَ اللهِ، ويُعَظِّمُوا حُرُماتِه وشعائِرَهُ، ولينالوا الثوابَ العظيمَ، من محوِ السيئاتِ، ومُضاعفةِ الحسناتِ، وقَبولِ الدعواتِ.
ومن المهم التأكيد على الخطباء والدعاة في حث الناس وترغيبهم في أداء هذه الفريضة العظيمة عبر منابر الجمعة والكلمات الدعوية بعد الصلاة، وألا نتأخر في تذكيرهم وتحفيزهم، وخاصة في ظل ما تبذله الدولة من جهود وإمكانيات يسرت أداء هذا النسك العظيم - ولله الحمد - وخففت المشقة التي كانت في السابق.
وننادي من هذا المنبر كل حملات وشركات الحج بمراعاة ظروف الناس المالية، وعدم رفع الأسعار، والوفاء بتقديم الخدمات للحجاج بما يحقق أداء هذا الركن، ونسأل الله القبول والتوفيق.
التجارة الرابحة
أما الشيخ محسن الحارثي مدير مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة نجران فقال: إنه لا ريب أن حج بيت الله الحرام هو أحد أركان الإسلام الخمسة لمن استطاع إليه سبيلا، وهي تجارة رابحة مع الله - عز وجل - ورحلة الحج يتوجه بها المؤمن إلى الله يحمله إيمان عميق، فهي رحلة التبتل والتقرب والاستغفار والتوبة والإنابة، وإن ديننا الإسلامي العظيم يأمرنا بأداء هذه الفريضة ويرغب في أدائها قال الله: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } (97) سورة آل عمران، فالذي لم يسبق له الحج وعنده المقدرة المالية والبدنية فعليه أن يتعجل في أداء هذا الركن وعدم التأخير والتسويف فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له) أخرجه أحمد والبيهقي وحسنه الألباني.
فينبغي لمن لم يتمكن من أداء هذه الفريضة أن يغتنم صحته وغناه، فمن تهاون فيها فهو على خطر، فكيف تطيب نفس المؤمن أن يترك فريضة الحج مع قدرته عليها مالياً وبدنياً، وهو يعلم أنه ركن من أركان الإسلام؟ وكيف يتثاقل هذه الفريضة، وهي لا تجب إلا في العمر سوى مرة واحدة وكيف يتراخى ويؤخرها وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليها بعد عامه هذا فإن المؤمن إذا أدى فريضة الحج مرة واحدة بعد بلوغه فقد أسقط الفريضة عن نفسه وأكمل بذلك أركان الإسلام ومع أن هذه الفريضة مرة واحدة في العمر إلا أن الله عز وجل رتب لها كثير من الأجر والثواب ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: صلى الله عليه وسلم (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة) ثم بين أن الحج من أعظم أسباب محو الذنوب وتكفير الآثام قال صلى الله عليه وسلم (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).
وأما دور الخطباء والدعاة فعليهم مسؤولية عظمى، وإن خطبة الجمعة وسيلة قوية من وسائل الدعوة إلى الله، وينبغي أن توظف خطبة الجمعة التوظيف المطلوب لتثقيف المسلمين وتعليمهم حقائق دينهم المستمدة من الكتاب والسنة، وبيان فضل الحج، والتعجل إليه، وبيان أحكامه وآدابه، كما ورد ذلك في الكتاب والسنة , فإنه يحتاج إلى الدقة في البيان والتوضيح، وذلك حتى يتمكن الحاج من تأدية نسكه على الوجه المطلوب، فمنبر الجمعة من المصادر الأساسية في هذا الوقت، فينبغي أن يكون هذا المصدر على قدر من المسؤولية والاهتمام، وهو مجال خصب للدعوة إلى الله على بصيرة ومصدر قوة للمسلمين.
التساهل في أداء الفريضة
ونادى الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السعيد مدير مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة الرياض المسلم المستطيع الحج بماله وبدنه، وهو مستكمل لشروط وجوب الحج فعليه التأدية وعدم التأخر، واعلم أن أوامر الله وأوامر رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - تؤدى على الفور بدون تأخير، ولا تدري ما يحصل لك في المستقبل، وقد يسر الله الحج في هذا العصر، وسهل أسباب الوصول إلى بيته العتيق، وسهل أداء المناسك بدون مشقة كبيرة -ولله الحمد والمنة- فبادر قبل أن يأتيك الموت، فتندم ولات حين مندم، قال - تعالى -:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} سورة الزمر (54-58).
فكيف تطيب نفس المؤمن أن يتساهل، ويترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه، وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وركن من أركانه؟ وكيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة، وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه؟ وكيف يوفر نفسه عن التعب في الحج، وهو يرهق نفسه في التعب في أمور دنياه؟ وكيف يتثاقل عن فريضة الحج، وهو لا يجب في العمر إلا مرة واحدة؟ وكيف يتراخى، ويؤخر أداءه وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه، فنصيحتي لك أيها المسلم المستطيع بمالك وبدنك، المتهاون والمتساهل في أداء فريضة الحج أن تتقي الله تعالى في نفسك، ثم أن تؤدي فريضة الله عليك تعبداً لله، وانقياداً لأمره، وسمعاً وطاعة ورضاً بحكمه، إن كنت مؤمناً حقاً،قال - تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب.
التسويف بالحج
وتعجب السعيد لمن يستطيع الحج بماله وبدنه ولم يحج، وقد مرت عليه السنون، وهو يسوف، ويُمنّي نفسه بالحج ولم يحج، مسكين من هذه حاله قد حرمها خيراً عظيماً، وعملاً صالحاً مباركاً، ألا ينظر إلى الجموع الغفيرة من المسلمين، وهي تقبل كل عام من كل فج عميق؛ لتؤدي فريضة الحج، وقد جادت بنفسها ومالها منقادة لأمر الله، وأمر رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ألا تتحسر نفسه، وهو يملك أن يكون واحداً منهم، ولكنه تساهل وفرط وسوّف؟ أين ضميره؟ ألا يؤنبه ضميره على هذا التقصير والتسويف؟ إنني أدعو كل من منَّ الله عليه بالاستطاعة بماله وبدنه، ولكن تأبى نفسه الانقياد لأوامر الله ونواهيه بيسر وسهولة، أن يتفكر ويجلس مع نفسه جلست مصارحة ومحاسبة.
وسائل دعوية
ودعا السعيد جميع أئمة المساجد وخطباء الجوامع والدعاة إلى الله في المملكة، بما من الله عليهم من علم ومعرفة، وحكمة ودراية، القيام بواجب الدعوة إلى الله، بتوجيه أفراد المجتمع، وفي مقدمتهم المقصرون منهم والمتساهلون مع استطاعتهم لإقامة شعائر الله، وفي مقدمتها حج بيته الحرام، بما يملكون من أساليب جديدة، ووسائل دعوية حديثة متنوعة، يمكن أن تستخدم في نصح من هذه صفاتهم، وفي مقدمتها الحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلة من يجادل منهم بالتي هي أحسن، عملاً بقوله - تعالى -: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل. فلدى أئمة المساجد وخطباء الجوامع والدعاة إلى الله من الوسائل والأساليب الشيء الكثير، يمكن أن يستخدموها في دعوتهم، منها - على سبيل المثال.لا الحصر-: الكلمات الوعظية، والدروس اليومية، والمحاضرات والندوات الأسبوعية، وخطب الجمعة، ووسائل التقنية الحديثة المتنوعة الممكنة. والميدان خصب - ولله الحمد والمنة-، فأوصيهم جميعاً بتقوا الله - تعالى - وأن يبيّنوا للناس الحكم الشرعي لمن تساهل في أداء فريضة الحج مع استطاعته، محاولين إقناعهم وتوعيتهم للقيام والمبادرة بأداء فريضة الحج وعدم تأخيرها، بذكر الدليل الصحيح من الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وتذكيرهم بهدي السلف الصالح في المبادرة في امتثال شرع الله وهديه، موضحين لهم عقوبة من تقاعس في ذلك مع قدرته واستطاعته، ومذكرين أولئك المتساهلين بالعقوبة التي تنتظرهم على تفريطهم، شاحذين هممهم للمبادرة، وعدم التأخير في أداء هذه الشعيرة العظيمة، ومبشرين كل حاج لم يرفث ولم يفسق بأنه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ومثنين على جهود حكومتنا الرشيدة، بقيادتها الحكيمة، على ما قدمته وتقدمه من خدمات مختلفة، من أجل تسهيل أداء هذه الشعيرة العظيمة، ليؤدي كل مسلم مناسكه بيسر وسهولة، بدون عناء ومشقة، من خلال التسهيلات والخدمات التي يلقاها في الأماكن المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة.