تبادر إلى ذهني هذا العنوان بعدما اطلعت على عنوان لمؤتمر تنوي جامعة الإمام إقامته في الفترة ما بين 10-12 من ذي القعدة من العام 1434هـ بالرياض الموافق 17-18 سبتمبر 2013م تحت عنوان (الوحدة الوطنية ثوابت وقيم) الذي سيقدم فيه فوق (60) بحثا.

وقبل أن أسترسل في كتابة المقال أتوجه بالشكر الجزيل لجامعة الإمام على هذا الاختيار وعلى حرصها الدائم على مؤتمرات من شأنها تعزيز لحمة ووحدة هذا الطن، كمؤتمرات عن مخاطر الإرهاب وسبل مكافحته وتجنب وقوعه. وعن حوارات الأديان وغيرها. والشكر يتواصل لوزارة التعليم العالي على دعمها الدائم لمثل هذه المؤتمرات.

إن المملكة العربية السعودية التي أعلنت وحدتها منذ ثلاثة وثمانين عاما (1352هـ)، لم يكن سهلا توحيدها مكانيا. تطلب ذلك أكثر من (30) عاما. أكثر من ثلاثين عاما من محاولات الإقناع والحوارات والكر والفر والمواقع الحربية. فقد كثيرون حياتهم من مؤيدي الوحدة والتوحيد ومن المعارضين. ولكنهم لم يكونوا بالتأكيد أكثر مما كانوا يموتون من الفقر والجوع والسلب والنهب والسطو وقطع الطرق قبل التوحيد. كانت المعارضة ومقاومة التوحيد شديدة من قبل قبائل ومن لهم مصالح شخصية في البقاء على رؤوس كيانات صغيرة معزولة لا مكانة لها إلا من منظور قبلي وشخصي ضيق.

كانت غاية توحيد المملكة نبيلة هدفت إلى خلق كيان له مكانة بين الأمم. له هيبة بين الأمم. له رأي وسيادة واستقلال بين الأمم. له دور مؤثر. نجح التوحيد مكانيا وبنسبة كاملة، أي أصبح هناك كيان جغرافي شاسع الأطراف له حدود معترف بها ولسلطته كامل السيادة على هذه الحدود - المملكة العربية السعودية-.

لا شك أن على هذا الحيز الجغرافي سكانا ارتضوا في نهاية الأمر هذه الوحدة واقتنعوا بها وشعروا بأهميتها. ورغم أن التوحيد المكاني اقتضى ثلاثين عاما، إلا أن التوحيد البشري يحتاج للسير فيه بشكل مستمر.

تأتي الثغرات والفجوات في وحدات الأوطان من الكيان والمقوم البشري. القناعة بالوحدة وأهميتها لا يكفي لوحده بل لابد من العمل على استمرار الوحدة.

اقتضى الأمر بعد إعلان التوحيد بناء المؤسسات. وكان تدريجيا وربما بطيئا لضيق ذات اليد، إلا أنه مع الإيمان بالوحدة ومردودها الإيجابي، جعل الناس تتفهم وتتحمل شظف العيش متزامنا ذلك مع الحرص الحكومي على التيسير والتسهيل قدر المستطاع. ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية منذ نحو (50) عاما بدأ التغير السريع وبدأ البناء والاستثمار في البنى التحتية في كافة المجالات. تسارع النمو في كافة الميادين من صحة وتعليم وعمران وصناعة وتجارة وغيرها. ولكن ماذا عن الجانب البشري؟ إلى أي مدى تجذر مفهوم الوحدة؟ إلى أي مدى ترسخ في أذهان الشعب السعودي خطورة النعرات الطائفية وإثارتها على الوحدة؟ ماذا فعلنا في إعلامنا ودور عبادتنا تجاه نبذ واحتقار النعرات الطائفية والمذهبية والتنبيه بمخاطرها تجاه وحدتنا الوطنية؟ ماذا فعل علماؤنا وفقهاؤنا ومن أعطاهم الله قدرة على الحوار وسعة الأفق والفطنة تجاه بعضهم بعضا في الحوار والوصول إلى قواسم مشتركة من أجل الوطن ووحدته؟ أقصد حوار علماء الشيعة والسنة في الوطن داخل المملكة بعيدا عن المذهب الشيعي في عمومه. لماذا لا يتم التفاهم والقناعة بأن لكل مذهبه عاش عليه أكثر من (14) قرنا؟ لماذا لا يتم الاتفاق بعدم الشتم والتعرض لمذهب الآخر على المنابر أو الكتابات من أي نوع؟ لماذا لا يتم التفاهم بأن الوطن فوق الجميع ويستوعب جميع مواطنيه، ولا ولاءات لأي جهة خارج الوطن؟ إنه في حال تم الوصول بشكل أعمق عما هو عليه الآن إلى تفاهم، فإننا نقوم بدق مسمار في نعش التفرقة ونحافظ على اللحمة والوحدة الوطنية.

لماذا لا ننبذ المناطقية ونشدد على مفهوم العدل والمساواة في تنمية المناطق؟ لا بد أن ندرك أن هناك البعض من المؤثرين في صنع القرار في بعض المؤسسات والجهات الحكومية أساءوا بقصد أحيانا وبجهل ودون إدراك أحيانا في توزيع المشروعات والموافقات عليها في مناطق مختلفة. وهذه أمور لا حاجة لمكبر ليدركها، بل إن الأعشى يستطيع إدراكها بوضوح حتى في الليلة الحالكة السواد. إن مثل هذه التصرفات تنخر على طول الوقت في جذور الوحدة.

لماذا لا يزاد من مبدأ العدالة في الوظائف العليا للدولة لتعم أناس مستحقين كثرين من أبناء مناطق المملكة المختلفة. إن الكفاءات والقدرات موجودة بين أبناء المملكة والولاء للوطن متوافر -ولله الحمد- في كل أبناء المناطق. لو أوجدت خارطة للوظائف العليا في الدولة منذ توحيدها لظهرت مشوهة ولظهرت عنقودية لبعض المناطق. إن العدالة في التنمية والبنى التحتية والوظائف مقومات لوحدة أكثر متانة وصلابة وأكثر رفضا للإخلال بالوحدة.

ما الذي فعلناه تجاه المرأة؟ نقول ساويناها في التعليم والرواتب في الوظائف المختلفة وأقول هذا كلام صحيح ولا ينكره إلا مكابر. ماذا بشأن السماح لها بممارسة الرياضة في المدرسة؟ أليس هذا نقصا في التربية والتعليم؟ أين العقل السليم في الجسم السليم؟ وإلا نقول للبنت ألعبي رياضه عند أهلك؟ أين تخصصات الهندسة للبنات في جامعاتنا؟ لماذا المنع من دخول الملاعب؟ هل لأننا عاجزون عن وضع تنظيم لذلك؟ هل لذلك أصل في الدين؟

لماذا يمنع النساء من قيادة السيارة؟ هل لأننا عاجزون عن وضع تنظيمات لذلك أم أن عقلنا الباطن لا يتخيل شرطية ولا ضابطة في الأمن ولا امرأة تسوق سيارة؟

هل لا يهمنا وجود أكثر من مليون سائق عائلي؟ ألا نهتم لما يمكن أن يتسببوا فيه من ناحية أمنية وأخلاقية؟ ألا نهتم بمليارات الريالات من التحويلات لهم؟ تخيل -لا سمح الله- تحصل كارثة ويغيب كثير من الرجال وتبقى النساء مع وجود سيارات فلا يستطعن قضاء ما يرغبنه ولا يستطعن فرارا من عدو ولا يمكن تلقي عون من صديق.

ألم يتأصل فينا أن المرأة نصف المجتمع بل هي أكثر من ذلك بكثير؟ ألم ندرك أننا لا نعيش لوحدنا وبمعزل عن العالم؟ ألا ندرك أن حولنا عالم يهمه أمرنا ليس بالتأكيد فقط لمصلحتنا ولكن ليجد ثغرة يتسلل منها ليهاجمنا؟

قد يقول قائل ما لنا ولهم هؤلاء حاقدون وحاسدون وهو كلام قد يكون صحيحا ولكن هناك أناسا محبين، ولكن حبهم يتخلخل ويتناقص في حال لم تلب حاجات مجتمعية لنصف المجتمع الذي يرى العالم أنها من أبسط الحقوق لكن البعض منا من المؤثرين في القرار يرون أنه ترف.

إن كثيراً من الدراسات تجرى من أناس من خارج المملكة حول أوضاع كثيرة في المملكة وعلى رأسها موضوعات تخص المرأة وبعضها يظهر مشوها ومنتقدا بحدة؟

ألم يحن الوقت ليقوم أساتذة الجامعات بتلك الدراسات وبكل شفافية حول جوانب مجتمعية متنوعة وعلى رأسها موضوعات تتعلق بالمرأة؟ ألم يحن الوقت ليقوم أساتذة أو تركز رسائل دراسات عليا للمبتعثين حول آراء مجتمعات عديدة حول موضوعات ذات أهمية للمجتمع السعودي وموجودة في داخله؟ إن تلك الدراسات ستصب في مصلحة اتخاذ القرارات الصحيحة في حال لم تركن على الرفوف وستدعم الوحدة.

إن الاهتمام بالمرأة وحقوقها وواجباتها ينعكس على بناء أسرة مميزة وينعكس على متانة الوحدة البشرية للوطن وبالتالي يصب في مصلحة الوحدة المكانية ويوجد لنا مجتمعا معا.

إن من وسائل تجذير الوحدة البشرية والمكانية هو مراجعة المناهج التعليمية والتركيز على العقل وقدراته الاستنباطية والاستنتاجية والمنطقية والفلسفية بدلا من الحفظ والتكرار.

هل راقبت مناهجنا ما يدور في المجتمع وعكسته في المناهج؟ هل نال التطرف والتكفير ومخاطر كل منها مساحة في المناهج؟ هل نالت المخدرات ومخاطرها مساحة في المناهج؟ هل نالت مخاطر التفحيط والسرقات مكانة لها في المناهج؟ هل نال التلوث البيئي وتدهور البيئة حقهما في المناهج؟ هل نال المعلم حقه من التدريب على رأس العمل؟ هل نال المعلم حقه من الاحترام الطلابي والمجتمعي؟ هل يقيم المعلم وتستطلع آراء الطلبة حول ما يدرس في الحصة؟ بعض من المعلمين يدرس فيزياء ويصرف نصفها في وعظ ديني، والبعض يدرس تاريخ أو جغرافيا ويقلبها أخبار رياضة؟ هل يمكن أن يعاد للتعليم هيبته في التعليم العام؟ من خلال التعليم وتطوره ومواكبته للمستجدات ومشاركته في حل المشكلات الطارئة التي تؤثر على سلوكيات الطلبة تتجذر الوحدة المجتمعية وتصب في مصلحة الوحدة الوطنية.

لا شك أن الوزارة تبذل جهودا طيبة وتتطلع إلى الأفضل ولكن لا أحسبها ارتقت إلى التطلعات.

هل من تجذير الوحدة سن الأقلام وتسليط الألسن على النقد والتسابق حول إظهار هنات وأخطاء ونشرها على الملأ في الداخل والخارج دون ذكر لأي إيجابيات؟

تشاهد برامج تلفزيونية ويتناول مقدموها خطأ أو مشكلة لإحدى الوزارات ويشن عليها حملة ويمسح كل الجهود ويضع فيها ما يضع مالك في الخمر.

وهذا مما يوغر الصدور ويورث الحنق. كان من الأجدر أن يقوم المقدم بذكر إيجابيات هذه الوزارة أو تلك وما قامت به ثم يقدم ذلك النقد. ولا شك أن كثيرا من الانتقادات فيها كثير من المبالغة وفيها كثير من الاستفزاز غير المبرر. وهذا لا يصب في مصلحة تجذير الوحدة.

لا شك أن المقدمين -نحسبهم والله حسيبهم- وطنيون وغيورون على وطنهم، ولكن لعلها تغيب عنهم مراعاة جوانب منها أن ما يقدمونه من انتقاد حاد يعطي انطباعا سيئا لدى أناس في أوطان أخرى ويرسمون للوطن صورة غير جيدة. وكما نعلم الناقد بصير والمتربصون والمستغلون ربما يكونون كثيرين في خارج الوطن.

هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى تفعيلها في الجانب البشري الذي يعيش على كيان جغرافي واسع يحسدنا الكثير على امتلاكنا له.

يحسدنا البعض على تنوع طبيعتنا وتنوع تراثنا وثقافتنا. يحسدنا البعض كلما تقاربنا وتآلفنا. ولا شك أن هناك من يغبطنا، قد يكونون قلة ولكننا نحتاج إلى أن نزيدهم عددا من خلال عملنا على ترسيخ ودعم وتجذير أواصر لحمتنا ووحدتنا واحترامنا لبعضنا البعض من منظور إتاحة الفرص للجميع والعدل والمساواة في التنمية الشاملة وعدم تجاهل تقييم المجتمعات الأخرى لنا من خلال جوانب اجتماعية عدة تحتاج إلى جرأة في اتخاذ القرارات تجاهها مع توازن وتأطير لها دون شطط ولا مبالغة.

حفظ الله الوطن من كل فرقة وفتنة.