يستغرب المرء هذه الأيام إذا رأى شخصاً يُنصِف الإسلام، فنحن نعيش في وقتٍ تداعَت فيه الأمم ضد الإسلام والمسلمين ليس فقط عسكرياً وثقافياً بل إعلامياً، ويعمل الإعلام الغربي خاصة على تشويه صورة الإسلام وربطه بالعُنف والتخلف والهمجية، ومن يقرأ المناهج الدراسية الغربية عموماً فسيرى أنها لا تروي التاريخ إلا من زاوية معادية للإسلام أو - في حالة كان واضع المنهج أكثر تعقّلاً - تجاهل تام لما قدّمه المسلمون للعالم، لذلك سعدتُ لما وقعت على كتابٍ للكاتب الأمريكي مارك غراهام سمّاه «هكذا صنع الإسلام العالَم الحديث»، يقول فيه الكاتب إن التاريخ الذي يُدرَّس في مدارس الغرب هو التالي: في زمن العصور المظلمة (وهو وقت يشير غالباً إلى الفترة بين القرن الخامس إلى الخامس عشر ميلادي) كانت أوروبا تعيش وقتاً عصيباً، فالقبائل الهمجية من الفايكينغ نهبت وغزت السواحل وانتشر الفساد في أوروبا تحت الأنظمة الإقطاعية وضاعت علوم اليونان إلا قليلاً منها التي حفظها الرهبان الإيرلنديون، وبعدها بقليل توحَّد الأوروبيون أثناء الحروب الصليبية وحرروا بيت المقدس من «السركانيين» - وهي كلمة احتقار للمسلمين - وعلى الرغم من أن الحملات انتهت بالفشل في نهايتها إلا أن الصليبيين تمكنوا من إعادة الكثير من الأشياء المهمة من علوم اليونان والرومان التي احتفظ بها المسلمون التي ظلت مكبوتة عندهم تنتظر ورثة أفلاطون وأرسطو ليحرروا إرثهم الضائع، وهكذا أدّى المسلمون هذه المهمة النبيلة وانتهى دورهم التاريخي فعادوا لخيامه وإبلهم وتخلفهم، بينما انطلقت أوروبا لتبدأ عصر النهضة (ما يسمّى رينيسونس) وتسود العالم.

هذا ما يدرسه الغربيون لكن ما أشد خطأه، والكتاب يحفل بالكثير من الإنجازات والاختراعات الإسلامية التي يسردها الكاتب بإنصاف وتجرّدٍ يندر وجوده اليوم بين غير المسلمين، ومن الأشياء التي يتحاشى التاريخ غير الإسلامي أن يَذكر دول المسلمين فيها هو ما حدث بعد عام 751م عندما وقعت معركة طلاس. كانت هذه أول وآخر معركة بين المسلمين والصينيين، وقعت حول مدينة طلاس بجانب نهر بنفس الاسم في جمهورية قرغيزيا. انتصر المسلمون على المملكة الصينية التي كانت تتوسع وهددت مدينة كابل إحدى كبريات مدن الإسلام، وكان الخليفة آنذاك أبا جعفر المنصور. قبض المسلمون على أحد الصينيين قرب مدينة سمرقند وكان يمتهن صنع الورق، ورأى المسلمون أهمية هذا الشيء فبدأوا فوراً في اتخاذه طريقة لتسجيل المعلومات والوثائق، بينما كان الأوروبيون في جهل وتخلّف عظيم، والقلة القليلة من الإيرلنديين الذين حاولوا نقل معلومات يونانية لم يعرفوا إلا الكتابة على جلود الحيوان. جلس هؤلاء الرهبان الإيرلنديون على مخطوطاتهم وأخفوها قدر الاستطاعة بينما أثناءها كان في بغداد سوق الورّاقين وهو أشبه بدار نشر، فيه أكثر من مائة محل، بعضها يحوي أكثر من ألف كتاب، وكان أكثر الناس يجتمعون في هذا السوق وينغمسون في عالم من الحضارة والثقافة لم ير العالم مثلها. في هذا السوق كان الوراق ينسخ الكتب للزبائن بمقابلٍ مالي، وأيضاً يُملي الزبون الكتاب شفهياً والوراق يكتب الكتاب الجديد. كانت الدولة الإسلامية تنشر من الكتب في السنة الواحدة آنذاك أكثر مما تنشر مدينة نيويورك اليوم!