ما هي أعظم المصائب؟
وما هي أجل صفة؟
سؤالان محيران لبني البشر، وقفت على إجابتهما عندما فقدت صديقة عزيزة فلذة كبدها شاب في السابعة عشرة من عمره مقبل على الحياة، لكن إرادة الله ومشيئته كانت هي النافذة.
أعظم مصيبة أن يفقد الأب والأم أحد أبنائهما في حياتهما، وأجل صفة هي الصبر.
فقد الأبناء ليس بالأمر السهل فكأنما تقول: (مر من هنا يوماً) أو كان يوماً هنا) ثم غاب، نسمة عابرة تركت عبقها وغادرت، والأصعب أن عبقها بقي منه الكثير في القلب والذاكرة.
الصبر صفة المؤمن القوي الذي يرتبط ارتباطاً حقيقياً بخالقه سبحانه وتعالى: (يرضى بقضائه مهما كان المصاب، ولا يدرك الإنسان مدى صبره وتقبله لأمر الله سبحانه وتعالى إلا عندما يواجه بامتحان صعب عسير، فيواجهه بإيمان لا حدود له في قضاء الله). وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحث على الصبر وتربط بينه وبين الإيمان، وفي التاريخ الإسلامي أمثلة كثيرة لأناس صبروا على مصائب كبرى حلت بهم وامتحنوا في دينهم وأولادهم.
ولا يعرف الصبر إلا عند الامتحان، وهو على أنواع ولكن أعظمه الصبر على فقدان عزيز، وقمة الصبر رباطة الجأش، وذكر الله، وهنا يتباين الناس في تحملهم لقضاء الله، وصبرهم على ما نزل بهم، وعندها يظهر مقدار صبرهم.
راودتني هذه الأفكار وأنا أقف في إجلال واحترام لصديقتي التي احتسبت ابنها عند الله، ولم يخالجها أدنى شك في قضاء الله.
ولم تتهاوَ أمام الحدث، وأي حدث، كانت مثالاً للمرأة الصابرة على الرغم من الحدث وكبره، كانت تعلو على حزنها، وتلهج بذكر الله حمداً وتسبيحاً بيقين المؤمن المحتسب.
كبرت صديقتي في نظري كثيراً، ووجدت نفسي أمام امرأة حباها الله من الإيمان والارتباط به ما جعلها تغالب ألم الفاجعة وقسوتها باللجوء إليه سبحانه وتعالى والرضا بقدره.
فإلى صديقتي أقول:
كنت أجدك صادقة.. مؤمنة.. وفية.. تقية.. ولكن عندما وقع أمر الله على فلذة كبدك رأيت فيك ما هو أكبر من ذلك، حاولت أن أصف من تكونين فوجدت نفسي عاجزة عن تقديم الوصف الدقيق كما أنت عليه، عزائي إليك، وإكباري لك، وجعل ابنك في جنات النعيم، وزادك إيماناً وصبراً.