تعمدت أن أتأخر قليلا في الكتابة عن عيد الوطن، فقد رغبت أن أكتب عن واقع كنت أراقبه منذ أيام، وقد كانت الحملة الشعواء التي شنها أقطاب «الإسلام السياسي» السعوديين على اليوم الوطني لافتة، كعادتهم في كل عام، وعند مقارنة ما تمت كتابته من قبل هؤلاء في التحذير من هذه الاحتفالية الوطنية، مع الواقع الملموس يوم الاثنين الماضي، يتأكد للجميع كم هم بعيدون عن الواقع، فلم يكن لحملتهم أثرا يذكر، فقد امتلأت الشوارع، والميادين بالمواطنين في كل مدن المملكة، من جازان، إلى طريف، ومن البحر، إلى البحر، وهم يتوشحون علم التوحيد الأخضر، في انسيابية لا يعكرها إلا منغصات محدودة لا تكاد تذكر، وهؤلاء «المسيسون»، هم ذات الأشخاص الذين يحرمون مناسبة هنا، وينكرونها، ثم -وبكل صفاقة - يشيدون بشبيهاتها عندما تقام في دولة أخرى، ففي الوقت الذي يقيمون الدنيا على الدولة فيما يزعمون أنه منكرات في مناسبات وطنية، مثل «الجنادرية»، ومعرض الكتاب، لا يتورعون عن الإشادة بدولة مجاورة تقام فيها الاحتفالات الفنية الصاخبة، وكان آخر هذا في العام الفائت!.
لعل الجميع يدرك أن أنصار الإسلام المسيس، والذين يوهمون الناس أنهم يقفون ضد احتفالات اليوم الوطني من منطلق ديني، هم أنفسهم من يدافع عن رئيس سابق لدولة مجاورة، سمح ببيع الخمور، فهم يستخدمون الدين العظيم لأعراض سياسية بحته، تماما كما يفعل سادتهم في كل بقعة يحلون فيها، ومن يتابع أدبياتهم يلحظ أن منهجهم الخفي في كل القطاعات التي يسيطرون عليها يقوم على ركيزتين، أولاهما تزهيد الناس بالحياة، وخصوصا النشء، وهو ما يجعل الواحد من شبابنا يضحي بنفسه في صراعات دولية لا ناقة له فيها، ولا جمل، ولا علاقة لها بالجهاد الشرعي من قريب، أو بعيد، وثانيهما هو زرع مفهوم «الأمة»، بديلا لمفهوم «الوطن» في أذهان مريديهم، وذلك لأن من لا يؤمن بالوطن، فلن يتواني عن أن يكون خنجرا مسموما في خاصرته، فالوطن - حسب أدبيات «الحركيين» لا يعني شيئا!.
وعلى هامش الاحتفال باليوم الوطني، فإننا نلحظ أن المسؤولين عن تسمية الشوارع، والميادين، والمدارس في مدننا يغوصون في كتب التراث بحثا عن اسم، لم يسمع به أحد من قبل، وذلك ليسموا به هذا الميدان، أو تلك المدرسة، ولا ندري لماذا يتم تجاهل أسماء الرواد الذين ساهموا في بناء هذا الوطن منذ تأسيسه، وهم كثر، إذ إن كثيرا منهم لا يكاد يعرفهم أحد، بما في ذلك كبار الرواد؟! وفي تقديري أن هؤلاء الرواد لا يستحقون أن نسمي منشآتنا بأسمائهم وحسب، بل يجب أن تدرس سيرتهم في مدارسنا، بدلا من تدريس سير رموز الإسلام السياسي، والذين ثبت خبث منهجهم، وبعدهم عن الدين الحق، وقد هالني ذات يوم أن كثيرا من القراء طلبوا المزيد من المعلومات عن أحد أبرز الرواد في مسيرة هذا الوطن، وذلك بعدما كتبت مقالا عنه!، إذ إن الاحتفاء بالرواد هو جزء رئيس من تاريخ الوطن، ويفترض أن يبقى في ذاكرة الأجيال، وختاما، لقد صنع المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - هذه الوحدة النادرة المثال، بالمشاركة مع آبائنا، وأجدادنا، وسيحتفل المواطنون بها، ولن يلتفتوا لما يكتبه السوداويون، من أهل الأجندات الخفية، في هجاء هذه المناسبة العزيزة!
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2