ما أجمل الحديث عن الوطن، وما أجمل أن نفهم ونعي معنى الوطن، وما اشتمل عليه من معان سامية وواجبات كثيرة، ومما يدل على أهمية الوطن أن الله تعالى ذكره وقد أقسم بالبلد في سورتين من القرآن الكريم. وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة أخذه الحنين إلى مكة فصار يقلب وجهه نحوها، فاستجاب الله له وأمره بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام.

وفي الشعر العربي القديم والحديث نجد الشعراء يفتتحون قصائدهم بأسماء الأوطان والجبال والأودية والمنازل التي تذكرهم بحياة الطفولة والشباب والعيش مع الأهل والأحباب.

وما أحسن قول الشاعر:

بلادي ون جارت علي عزيزة

وقومي وإن ضنوا علي كرام

وقول الشاعر:

وللأوطان في دم كل حر

يد سلفت ودين مستحق

وقد ورد في المعجم الوسيط الفعل واطن بمعنى عاش مع القوم فهو مواطن.

إذاً فالوطن كلمة جامعة تشمل الأرض وما فيها من سكان وجبال وأودية وسهول ومصانع ومزارع وكل ما في أرض الوطن من خيرات وثروات.

ولذلك وجب الاخلاص والوفاء لأهل الوطن مهما كان الأمر، حتى ولو حصل أثره بينه وبين الأقارب أو الأباعد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى: (إنها ستكون بعدي أثرة قالوا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم) متفق عليه.

أي قم بواجباتك مع نفسك وأسرتك وعموم أفراد مجتمعك وأخلص للراعي والرعية، ومحاسبة النفس حساباً دقيقاً وحملها على ترك الهوى، وقد قال الشاعر:

صن النفس واحملها على ما يزينها

تعش سالماً والقول فيك جميل

وقد ورد في الحديث الشريف (طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس) وطوبى هي الجنة من الفعل طاب يطيب.

إن فرحنا بيوم الوطن هو تذكير وتذكر لواجباتنا ومراجعة للنفس في أعمالها، وما تم انجازه خلال عام مضى، وإبراز الجهود الناجحة التي تحققت للوطن وتقديم الشكر والاعتراف بالجميل لأصحابه، ومحاسبة المقصرين. فلنشمر عن سواعد الجد والاجتهاد والاخلاص لوطننا الغالي الذي تربع على الأولوية في مجالات متعددة، ولنحافظ على المكاسب التي تحققت في هذا العهد الزاهر الميمون, وما أحسن أن نسارع لبذل المزيد من الجد والاخلاص، فالوقت من ذهب تجب المحافظة عليه وما أحسن قول أحمد شوقي:

دقات قلب المرء قائلة له

إن الحياة دقائق وثواني

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها

فالذكر للإنسان عمر ثاني.