|
الجزيرة - بندر الأيداء:
دعا اقتصاديون إلى ضرورة تنشيط سوق الصكوك والسندات بالمملكة، تزامنا مع طرح المشاريع الاستراتيجية باعتبارها أداة تمويلية آمنة مخاطرها محدودة، وتحد من سلبيات السيولة على التضخم وتواجه قيود تطبيق معايير بازل 3 على التمويل. وقال الخبير المصرفي فضل البوعينين لـ«الجزيرة»: سوق الصكوك والسندات من أهم مكونات السوق المالية؛ ولا يمكن أن تكون مكتملة بدونها؛ وهي مصدر مهم من مصادر التمويل؛ والاستثمار، معلقاً على الحضور البارز لهذا الملف على أجندة الملتقيات والمنتديات الاقتصادية بالمملكة قائلاً: من الطبيعي أن تكون محورا لتقارير المراقبين؛ وانتقادات المختصين لسببين رئيسيين؛ الأول محدوديتها مقارنة بحجم الاقتصاد السعودي؛ وحجم التمويل والحاجة؛ والثاني لضعف السوق الثانوية للصكوك والسندات؛ ما يجعل من عملية التسييل عند الحاجة غاية في الصعوبة.
وأضاف: سوق الصكوك والسندات يجب أن تنشط وتتوسع في السوق الأولية (الإصدار) والسوق الثانوية (التداول)، ولا مفر من ذلك؛ خاصة مع التوسع الكبير في المشروعات الإستراتيجية التي تحتاج إلى تمويلات ضخمة، إضافة إلى حاجة السلطات النقدية لضبط السيولة وتحويلها من أداة سلبية تؤثر في التضخم إلى أداة إيجابية تساعد على توفير التمويل، فضلا عن كونها قنوات استثمارية آمنة، وخاصة صناديق الاستثمار. وعن توقيت تفعيل هذه السوق يقول: الوقت الحالي هو الأنسب، نتيجة التوسع في طرح المشروعات الضخمة، والحاجة إلى مصادر تمويل خارج القطاع المصرفي، وتوفير قنوات استثمار آمنة، إضافة للقيود التمويلية التي ستفرض على المصارف فيما يتعلق بتطبيق معايير «بازل 3» ، حيث يعتقد أنها ستؤثر سلبا في حجم التمويل المتاح.كل ذلك يستوجب التركيز على سوق الصكوك والسندات ويفترض أن تكون أقوى وأشمل وأكثر سيولة مما هي عليه الآن. وحول الآثار المتوقعة لتفعيل هذه السوق أوضح البوعينين: إيجابيات الصكوك تفوق كثيراً سلبياتها، فزيادة حجمها سيفتح مجالا أكبر للاستثمارات المالية الآمنة؛ وسيسهم في تحقيق كفاءة السيولة الراكدة؛ ويوفر تمويل متوسط وطويل المدى، وهو ما يعوض النقص لدى القطاع المصرفي الذي يعاني عدم القدرة على توفير ذلك النوع من التمويل لأسباب مرتبطة بنوعية الودائع لديه. وتابع: سوق الصكوك توفر أدوات آمنة لخفض مخاطر الصناديق الإستثمارية بأنواعها، ومنها صناديق الأسهم، كما انها توفر قنوات تمويلية للشركات التي لا تستطيع الإقتراض من المصارف ، إما لأسباب مرتبطة بالتقييم الإئتماني، أو لأسباب مرتبطة بحجم القروض المطلوبة، أما الأفراد فسيجدون قنوات إستثمارية جيدة ، تمكنهم من إستثمار أموالهم والحصول على عوائد بدلا من وضعها بالبنوك في حسابات جارية لا تنتج أية عوائد مالية، وفيما يخص البنوك، فهي أكثر حاجة لسوق الصكوك ، من أجل توفير سيولة متوسطة وطويلة المدى، وأعتقد أن بعض البنوك السعودية نجحت مؤخراً في الاستفادة من السوق لدعم رأس المال.
وذكر البوعينين أن تأثير السندات والصكوك على الاقتصاد السعودي سيكون جيدا» لو تم تفعيلها كما يجب»، « وقال: معظم الدول تعتمد سوق السندات كمصدر رئيس لتمويل المشروعات الإنتاجية بأنواعها؛ وهذا يساعد في دعم الاقتصاد وتوسيع قطاعات الإنتاج؛ ويدعم أصحاب الأفكار الخلاقة لترجمتها على أرض الواقع، «سوق الصكوك ستكون داعمة للقطاع الخاص، خاصة في المشروعات الإستراتيجية الضخمة». ونوه البوعينين إلى توافر مقومات النجاح لسوق الصكوك والسندات بالمملكة ، « السوق السعودية تمتلك السيولة الضخمة، والشركات المنفذة للمشروعات العملاقة، وهي لا تحتاج إلا إلى الوسيط بينهما وهوسوق الصكوك، كما أنها تمتاز بوجود مصارف محترفة وقوية، إضافة إلى دور هيئة السوق ومؤسسة النقد في الجانب الرقابي والتنظيمي لسوق المال والقطاع المصرفي»، «هي فقط تحتاج إلى الدعم والتثقيف، والتحفيز من أجل رفع كفاءتها وزيادة نشاطها». وأشار إلى أن سوق السندات أقل الأسواق المالية مخاطرة، وهذا لا يعني عدم وجود المخاطر، بل يعني تدني مستواها مقارنة بالاستثمارات الأخرى.
من جانبه، اعتبر المحلل الاقتصادي محمد العمران وضع سوق الصكوك والسندات بالمملكة حالياً وضعاً طبيعياً، «أسواق الدخل الثابت (السندات والصكوك) في جميع الأسواق المالية حول العالم «ضحلة» بلا عمق في تداولاتها، وبالتالي تعاني دائما من قلة السيولة، وسوق الصكوك في المملكة صغيرة الحجم بسبب حداثة تكوينها، إضافة إلى أنها تعكس نفس النظرة فيما يتعلق بعمق تداولاتها ، ولكن بصورة أسوأ حيث السيولة تكاد تكون نادرة، وذلك يعود إلى أن حملة الصكوك في الأساس هي مؤسسات مالية تستثمر على المدى الطويل، مستهدفة فترة استحقاقها، ولذلك.. لا نرى تداولات نشطة على الصكوك في السوق المالية إلا ما ندر، ويتفاقم الوضع في ظل تزامن ذلك مع ثبات المتغيرات المؤثرة على آلية تسعير الصكوك، ومن أهمها ثبات أسعار الفائدة على الريال السعودي ، حيث إن ثبات أسعار الفائدة يضيق من وجود فرص سعرية يمكن استغلالها سواء من البائعين أم المشترين.
وتابع: كما أنه من الواضح أن هيئة السوق المالية تسعى جاهدة الآن إلى تعزيز نمو سوق الدخل الثابت في المملكة، بالشكل الذي يتماشى مع المعايير الدولية للأسواق المالية، حيث إن حجم هذا السوق في المملكة لا يزال صغيراً وضعيفاً جدا بسبب غياب الدعم الحكومي، الذي يمثل دائماً أهم اللاعبين نتيجة لوجود فوائض مالية ضخمة في الموازنات الحكومية في المملكة بالسنوات الأخيرة.
وتوقع العمران أن تشهد السنوات المقبلة نمواً متسارعاً للإصدارات الجديدة ، خصوصاً وأن هناك توجها من الدولة نحو ذلك من خلال تمويل المشاريع الكبرى في هيئة الطيران المدني ، والسكة الحديد من خلال إصدارات جديدة للصكوك ، وهذا بالتأكيد سيزيد من حجم هذا السوق الواعد والأهم أن الدولة بالرغم من توفر السيولة لديها إلا أنها تسعى إلى تحقيق هدف استراتيجي مهم، يتمثل في تكوين منحنى لأسعار الفائدة طويلة الأجل «لأكثر من 20إلى30 عاما» بالريال السعودي، حيث أننا نفتقد لمثل هذا المنحنى وهومهم جداً في احتساب المخاطرة من قبل المؤسسات المالية.
وقال العمران: نمو إصدارات أدوات الدخل الثابت في المملكة يساعد في سحب السيولة من ناحية وتوفير أدوات آمنة للإدخار بالريال السعودي من ناحية أخرى، وهذه العملية ستحدث بعيداً عن النظام المصرفي وسوق الأسهم ، لكن الإستثناء ، أن المصارف قد تدخل هذا السوق كمستثمر في أدوات الإدخار، وهذا طبيعي ، لأن المصارف تبحث دائماً عن أدوات إدخار طويلة الأجل مقومة بالريال السعودي لتقليل المخاطر التشغيلية نتيجة وجود إلتزامات عليها (على شكل ودائع للعملاء) بالريال السعودي. وأبان: بشكل عام ، نستطيع القول أنه لن يكون هناك تأثير كبير على المدى الطويل على سوق الأسهم أو النظام المصرفي ، بإستنثاء تكلفة الفرصة البديلة ، لأن نمو أسواق الدخل الثابت في المملكة سيكون على حساب فرص مستقبلية ضائعة على سوق الأسهم و النظام المصرفي .
وأشار العمران الى أهمية تفعيل هذه السوق بشكل تدريجي ومدروس ، حتى لا تؤثر على سيولة سوق الأسهم والنظام المصرفي على المدى القصير. وعن حجم المخاطرة أكد العمران «ستكون محدودة» بسبب طبيعة سوق الصكوك في المملكة ، حتى لو تمت المقارنة مع بقية أسواق الصكوك حول العالم، وذلك لعدة عوامل ، من أهمها الفوائض المالية التي تحققها الموازنة العامة للدولة ، والربحية العالية التي تحققها الشركات الكبرى في المملكة ، وهو يجعل مخاطر التعثر في السداد عند أدنى مستوياتها بالمقارنة مع أي منطقة جغرافية حول العالم.
من ناحيته وصف الاقتصادي خالد الجوهر سوق الصكوك التي تنتجها الشركات بـ»الجيدة» معتبراً إياها فرصة استثمارية جيدة وإن كانت غير نشطة لدى الأفراد. وقال: هذا السوق نشط في البنوك والشركات الكبرى التي تعتبره إحدى قنوات الاستثمار الآمنه لديها ، لافتاً إلى أن الوقت قد حان لتنشيطها تزامنا مع وجود فرص لجذب السيوله من الدول الاسلامية وغير الاسلامية، كما أن فجوة الائتمان بين البنوك وتمويل المشاريع ذات المدى الطويل ستجد في هذا السوق الحل المناسب. وأضاف: في الواقع ، طرح الصكوك موجود منذ وقت طويل ، وكانت تديره البنوك سابقا ، وتم اعتماده حديثا من خلال سوق المال ، وهو لايؤثر على سوق الأسهم ، ولكنه يدعم الاقتصاد الوطني باعتبارة منتجا استثماريا يساهم في إقامة المشاريع وتمويلها.
واعتبر الجوهر ، توجه الشركات لطرح السندات في دعم مشاريعها أجدى في معظم الاحيان من الاقتراض المباشر أو رفع رأس المال. وقال: حاليا ، هناك صكوك جيدة يتم طرحها وتجد إقبالا كبيرا، ولكن ليس من الافراد، والهدف الآن هو البنوك والشركات الكبيرة، وينبغي زيادة وعي المستثمر العادي نحو هذا المنتج الاستثماري الآمن لجعل السوق اكثر نشاطا بشكل فعلي.