قصة الفتيات الخمس في روضة حائل -إذا ما صح ما قيل- لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في سجل عوانس الفتيات، والزوجات والبنات المواجهات للعضل، ومع تحفظي على تفاصيل القصة من باب توخّي الحذر في الأحكام المستعجلة دون معرفة رأي الطرف الآخر (الأب) الذي ربما كان لديه ما ينفي صحة ذلك، لهذا فالحديث هنا عام ولا يقتصر على فتيات حائل دون غيرهن من صفوف الفتيات والزوجات المعنّفات والمعضولات والمحبوسات عن الزواج حتى بلغن عمراً مشحوناً بالهموم والهواجس المرهقة والخوف من فوات الفرص بزواج وإنجاب ذرية تكون سنداً لهن في أمور الدنيا والآخرة، الأب يتزوج بعد طلاق الأم أو بوجودها ويترك الأسرة دون اهتمام بالنواحي الوجدانية العاطفية ودون مراعاة لما يختلج في نفوس هؤلاء الفتيات من أحلام وآمال في أزواج وأسرة وحقوق مباحة، فكما أن الأب بحث عن مطالبه المباحة فإن لهن حق الرعاية والعون في ذلك بل إنه أول من يسعى لتحقيق هذا المطلب الملح وإلاّ كانت الفتنة التي تقع بها بعض الأسر وهي لا تعلم أنها السبب بتشدد ولي الأمر (حتى وإن برر ذلك بالاجتهاد) لصالحهن، فالاجتهاد يجب أن يكون بالسعي للبحث عن أزواج مناسبين لهن صالحين ديناً ودنيا بقدر الإمكان، وأن يكون هذا الولي على قناعة أن ليس كل الشباب راغبي الزواج بنقاء ونزاهة أبي بكر وعمر وأصحابهم الطاهرين رضوان الله عليهم، ويكفي الرضى من ذلك بما يكفي لإقامة أسرة وبيت عامر بقدر جيد من الاستقامة والصلاح والطمأنينة، ولو كان المقياس كما يريد ويحدد الولي لما كان قد تزوج هو إلى الآن، هذا على اعتبار أن المعايير عنده دينية، فالرضى بالدين والخلق أمر نسبي يختلف من إنسان لآخر ومن بيئة ومجتمع وزمان عن غيرها، لكن لا بد من قدر معقول مقنع في هذا الجانب دون تشدد يفقد الفتيات فرص العيش الكريم والحقوق المشروعة، سمع الكثير منا بحملة الفتيات التي اتخذت شعاراً لها (الشرع حلّل أربع، لا تخلونا نعنس)، إذا كانت فتيات المجتمع فاض بهن الغيض والضجر إلى حد الإفصاح علناً عن رغباتهن وهن في مجتمع تأنف فتياته عن التصريح بالقول في الزواج، فإن هذا مؤشر على ظاهرة بلغت حدودها القصوى ويجب التصدي لها بعمل جماعي جاد ومخلص يتجاوز كل المصدّات والعوائق الاجتماعية الزائفة التي تحد من تزويج الفتيات وعضلهن بحجج وأسباب غير مقنعة، واعتبارات اجتماعية يمكن حلها أو تجاوزها بالعقلانية المتزنة التي تراعي مصلحة الفتيات وتحميالمجتمع من الفتن والشرور التي تشكّل لو حدثت عيباً وجرحاً مؤلماً لكل من حدثت في محيطه الأسري والاجتماعي، ودائماً المرء لا يستشعر الخطر إلاّ حين وقوعه أمامه فلماذا ننتظر وقوع المخاطر مع أن الحكمة تقول: إن الوقاية خير من العلاج، وإن المؤمن كيّس فطن، ومن مقومات حسن الإيمان أن لا نترك مثل هذه الشوائب تسيطر على عقولنا وتدمّر زهور بيوتنا من فتيات كنّا نلاعبهن ونقبلهن في صغرهن وطفولتهن وحين كبرن وكبرت حاجاتهن لرعايتنا أقمنا عليهن الحجب والحواجز وكتبنا قوائم بشروط معجزة تحول دون زواجهن بزعم حمايتهن، وبالمقابل نغضب ممن يواجهنا بهذه الشروط حين نطلب الزواج منهم، ونتمسك بمفاهيم تناقض واقعنا.