ثلاث مسلمات لابد أن تستقر في ذهنك، وأن تجعلها دائماً أمام ناظريك، وأن تؤمن بحتميتها، وأن لا أحد من بني البشر يمكن أن ينجو من مواجهتها، بعضها يتطلب سعيا حثيثا، ووعيا والتزاما بالوفاء بالمتطلبات التي تضمن الفوز بعد المواجهة، وبعضها يتطلب تكيفا وتقبلا، وتحملا للأعباء والهموم المصاحبة للحياة الدنيا، وبعضها الآخر يتطلب تفهما وحكمة وحنكة، وقدرة على التجاوز والتسامح.
واللاءات الثلاث هي:
لا نجاة من الموت: من سنن الله الثابتة التي لا مناص من ملاقاتها يوما ما مهما طال العمر، “الموت” إنه الحقيقة الثابتة التي لم يمار أحد في حتميته ولن يماري، ولن يجرؤ أحد على ذلك ولن يقدر، ومما يعزي النفس ويسليها أنه لا فرق ولا تفرقة بين بني البشر في ملاقاة “الموت” الكل سواء، الكبير سنا والصغير، العالي قدرا والوضيع، الغني والفقير، الأمير والغفير، الكل أمام رهبته ووحشته سواء، أمام آلامه وفواجعه سواء، إنه هادم اللذات، ومفرق الأسر والجماعات، وموقظ البصائر الغافلات، إنه الراحة بعد عناء الدنيا، لكن البعض جهلا وخوفا لا يتمنى هذه الراحة، ويظن أن الراحة في مواصلة الحياة الدنيا، وما علم أنها من مدلول معناها “دنيا” في كل شيء وإن عظمت في أعين البعض، لأن ما بعد مفارقة النفس الجسد، تبدأ الحياة الحقة التي كانت الدنيا مزرعة لها، وأنه بحسب جهد المزارع في متابعة زرعه وتجويد محصوله، سوف ينال المنزلة الرفيعة في الحياة الأخرى الأبدية، وبالتالي لا يخاف “الموت” إلا المزارع الكسلان الذي أهمل زرعه، وعندما جاء موعد الحصاد الحق لم يجد سوى خيبة الأمل، محصول رديء فاسد، فكانت الخيبة والندامة، ولكن لات ساعة مندم.
الثانية لا راحة في الدنيا: تقول العامة عن الدنيا “ما عليها مستريح”، يعني الكل شقي فيها، الكل مشق حاله متعبها، الكل فيها تراوح حاله بين سعادة وشقاء، بين أنس ووحشة، بين فرح وترح، بين ضحك وبكاء، بين جوع وشبع، بين صحة ومرض، بين إساءة وإحسان، بين طاعة ومعصية، بين أمل ويأس، وقس على ذلك الكثير من المتناقضات.
من عجائب الدنيا المتواترة أن الغني فيها غير راض وغير مرتاح، الحال نفسها مع الفقير، لا رضا ولا ارتياح، البعض يظن أن الغني في منتهى الرضا والراحة، وأن الفقير وحده من يعاني ويقاسي ظروف الحياة وقسوتها، هذا اعتقاد خاطئ، فلكل منهما أوجه معاناته، ومستوى تطلعاته وطموحه، الاختلاف بينهما اختلاف درجة وليس اختلاف نوع، فبينما يشكو الغني من أن وجبته خلت من أنواع معينة من الأسماك أو الفواكهه والحلوى، يشكو الفقير من أنه لم يشم رائحة اللحم في منزله منذ أكثر من شهر، أما الفاكهة والحلوى فليست ضمن قائمة خياراته أصلا، وأوجه الاختلاف هذه تنطبق على الملبس والمسكن والمركب.
وثالثة الأثافي التي لا سلامة منها: “كلام الناس”، يبدو أن تسلط ألسنة الناس بعضهم على بعض وخاصة في المجالس تعد من متلازمات طبائع البشر، حيث يندر من يسلم من هذه السمة الكريهة، فألسنة الناس دائما حادة تطرب لنقل الحديث دون تمحيص أو تدقيق، بل ربما تدفع البعض شهوة النقل والحديث في الآخر إلى إضافات غير صحيحة، بل إلى معلومات مصنوعة مكذوبة لمجرد الإثارة والإمعان في التشويه، لهذا يسن للمسلم أن يدعو بكفارة المجلس، يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جلس مجلسا كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك.
الخلاصة أن لا أحد يسلم من كلام الناس، لكن العزاء أن القصاص في هذه الحال عدل، فليقولوا ما يشاؤون، العبرة في ميزان الحسنات والسيئات.