تتدفق الأموال الأجنبية على المناطق الأقل احتياجا إليها في الشرق الأوسط إذ بدأت منطقة الخليج تصبح وجهة رئيسية لمستثمري المحافظ الدولية بينما تحول القلاقل السياسية دون ضخ استثمارات في أنحاء أخرى بالمنطقة.
فعندما تفجرت الانتفاضات في تونس ودول عربية أخرى قبل أكثر من عامين بدا أن الربيع العربي سيأتي بتأثير مختلف كليا. ولكن منذ عام 2011 وضعت الغالبية العظمى من المستثمرين ثقتها في الخليج.
وتألقت أسواق الأسهم والسندات الخليجية لأسباب عدة من بينها تدفقات الأموال الأجنبية عليها بينما عانت الأسواق المتأثرة بالربيع العربي.
رجحت دراسة لوكالة ستاندرد اند بورز أن المصارف الإسلامية في دول الخليج العربية ستحافظ على نسب نموها التي تتجاوز البنوك التقليدية لكن ميزة الربحية التي تتمتع بها تلك المصارف بدأت تتلاشى. وقدرت الدراسة أصول المصارف الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي الست عند ربع أو أكثر قليلا من إجمالي الأصول البنكية في المنطقة تقريبا والتي بلغت 1.6 تريليون دولار نهاية 2012. قال تيموشين انجن المدير المساعد لشؤون المؤسسات المالية في ستاندرد اند بورز في الدراسة إن حصة المصارف الإسلامية ستواصل نموها «في المستقبل المنظور» على الأرجح مع إصدار الحكومات تراخيص لمؤسسات جديدة وفي ظل القواعد التنظيمية المواتية لنمو المصارف الإسلامية. وأضاف «الدافع الأساسي هو الدعم الحكومي. هناك حوافز كبيرة لتنمية هذا القطاع الفرعي.» ومنعت قطر مثلا البنوك التقليدية من إبرام صفقات جديدة متوافقة مع الشريعة عبر نوافذها الإسلامية سعيا لدعم نمو المصارف الإسلامية الخالصة.
وتوقع انجن نمو أصول المصارف الإسلامية في قطر إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2017 من 54 مليارا العام الماضي مع استفادة المصارف الإسلامية من مشروعات البنية التحتية التي تعتزم قطر إنجازها بعشرات المليارات من الدولارات في العقد الجاري. وفي عام 2012 نمت أصول عينة من المصارف الإسلامية تناولتها ستاندرد اند بورز بالتحليل بنسبة تجاوزت 15 في المئة مقابل عشرة في المئة للبنوك التقليدية وهو تفوق ملموس منذ 2008. لكن الميزة الربحية للمصارف الإسلامية بدأت في التراجع وقد تواصل هبوطها نحو مستويات البنوك التقليدية. فتراجع صافي دخل المصارف الإسلامية إلى متوسط الأصول المدرة للدخل إلى 3.4 في المئة العام الماضي من أربعة في المئة عام 2008 طبقا لستاندرد اند بورز. وهذا يجعلها الأقرب إلى صافي دخل الفوائد لدى البنوك التقليدية الذي بلغ 2.8 في المئة العام الماضي بتغير طفيف عن نسبة 2.9 في المئة عام 2008. وقال انجن إن الدراسة تشير إلى أن الميزة الربحية لبعض المصارف الإسلامية في السنوات الماضية جاءت بشكل أساسي من أنشطة غير متصلة بجوهر المعاملات الإسلامية كالصفقات العقارية ومعاملات أسواق المال. والآن مع تراجع أسواق الخليج في أعقاب الأزمة المالية العالمية يتم عقد عدد أقل من الصفقات. كما أن المصارف الإسلامية تستطيع أحيانا التفوق على البنوك التقليدية في فترات ارتفاع أسعار الفائدة لأنها تحتفظ بمستويات عالية من الخصوم غير الحاملة للفوائد وهي ميزة تمويلية هامة. لكن تراجع أسعار الفائدة عالميا في السنوات القليلة الماضية والذي يتواصل في بعض دول الخليج كالإمارات رغم تعافي عائد أذون الخزانة الأمريكية هذا العام- بدد هذه الميزة.
وقال جون سفاكياناكيس رئيس قسم إستراتيجيات الاستثمار لدى مجموعة ماسك السعودية «بدأت دول الخليج في جذب اهتمام المستثمرين الدوليين بعيدا عن مجال الغاز والنفط والهيدروكربونات.
«يذكر أن ستاندرد آند بورز داو جونز لمؤشرات الأسواق قد رفعت تصنيف قطر والإمارات العربية المتحدة إلى وضع الأسواق الناشئة من الأسواق المبتدئة بعد قرار مماثل اخذته شركة إم.اس.سي.آي للمؤشرات في يونيو حزيران. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى جذب أموال أجنبية جديدة تقدر بمئات الملايين من الدولارات إلى هذين السوقين إذ يضع الخليج على الخريطة للمرة الأولى أمام بعض الصناديق الأجنبية التي تتابع عن كثب مؤشري اس آند بي وإم.إس.سي.آي.وقال مديرو صناديق لقمة لرويترز للاستثمار في الشرق الأوسط إن التصنيفات الجديدة جاءت في إطار موجة يزيد فيها التفات المستثمرين الأجانب إلى القطاعات غير النفطية في الاقتصادات الخليجية وكذلك ثرواتها في مجال الطاقة.
ولم يعد يخفى على أحد أن السياسة تلعب دورا رئيسيا. فالكثير من المستثمرين استهانوا بخطورة التوترات الطائفية التي كشفت عنها أحداث الربيع العربي. وقليل من توقعوا أنه بعد مرور عامين ونصف العام ستظل الحرب الأهلية دائرة في سوريا بينما تفتقر ليبيا إلى أي حكومة قادرة على بسط سلطتها. فأزمة الديون التي شهدتها منطقة اليورو وحالة عدم اليقين التي اكتنفت السياسة الاقتصادية الأمريكية انعكستا سلبا على الدول العربية التي تعاني من ضعف مركزها على ساحة التجارة الخارجية وتدهور أوضاعها المالية بينما صبت في صالح تلك الدول التي تتمتع بفائض آمن في ميزان المعاملات الجارية والميزانية.
تفوق الصناديق الخليجية
أظهرت تقديرات شركة ليبر التابعة لتومسون رويترز أنه حتى مع خروج أموال من صناديق كثيرة بالأسواق الناشئة في الربع الثالث هذا العام شهدت الصناديق التي تقتصر على أسهم الشرق الأوسط - ومعظمها يركز على الخليج - تدفقات صافية للربع الثالث على التوالي. ولم يحقق القطاع هذه المكاسب منذ 2007-2008. وقالت ليبر إنه في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بلغ صافي التدفقات أكثر من 200 مليون دولار بما يعادل 12.5 بالمئة من أحدث قيمة للأصول الخاضعة للإدارة. وقال مارك موبيوس الرئيس التنفيذي لمجموعة تمبلتون للأسواق الناشئة إن الأداء القوي للاقتصادات الخليجية في السنوات القليلة المنصرمة ساعد بعض المستثمرين الأجانب على فهم المنطقة بصورة أفضل والتمييز بين الأسواق. وأضاف «يدرك الناس أن هناك اختلافا بين دبي وعمان أو البحرين وقطر على سبيل المثال.. يمكنهم التمييز بينهم. وهذا مهم للغاية.»وكان نمو القطاع الخاص عاملا ثالثا ساهم في دعم الأسواق الخليجية.. ومع التنوع التدريجي لاقتصادات الخليج بدأت تصبح أكثر جذبا للمستثمرين الأجانب وأكثر قدرة على مواجهة انخفاض أسعار النفط. وانكمش إنتاج قطاع النفط السعودي 3.7 بالمئة على أساس سنوي في الربع الثاني من 2013 ولكن القطاع الخاص غير النفطي نما بنسبة 4.2 بالمئة مما أثمر عن نمو الاقتصاد بنسبة 2.7 بالمئة. واتضحت القوة السوقية المتنامية التي يتمتع بها القطاع الخاص في الخليج الشهر الماضي حين صارت شركة ماجد الفطيم الإماراتية المتخصصة في مراكز التسوق أول مؤسسة غير مصرفية في الشرق الأوسط تصدر في السوق الدولية سندات هجين تحمل بعض خصائص الأسهم. واشترى مستثمرون في بريطانيا 42 بالمئة من حجم الإصدار البالغة قيمته 500 مليون دولار تبعهم أوروبيون آخرون بنسبة 28 بالمئة ثم مستثمرون آسيويون بنسبة 12 بالمئة. وقبل عامين فقط كان من الممكن توقع شراء المستثمرين المحليين في الخليج لمعظم السندات المطروحة في أي إصدار من المنطقة في ظل عزوف الكثير من نظرائهم الأجانب.
إشباع الشهية
قد يتحول النمو التدريجي لاستثمارات المحافظ الأجنبية في الخليج إلى موجة نمو عارمة في حال قررت السعودية فتح سوقها الأكبر في العالم العربي أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتقتصر استثمارات الأجانب حاليا على صفقات المبادلة وصناديق المؤشرات ويعتقد أن حصتهم في سوق الأسهم لا تزيد على خمسة بالمئة. وهناك قضية أخرى تتمثل فيما إذا كان بإمكان الأسواق الخليجية إدراج ما يكفي من أصول الشركات لإشباع شهية المستثمرين الأجانب. وفي السعودية تسيطر الشركات العائلية على جزء كبير من الاقتصاد بينما تمتلك الحكومة في قطر حصصا كبيرة غير قابلة للتداول في كثير من الشركات. وربما يتمثل التهديد الأكبر في أسعار النفط. فمن شأن أي انخفاض لخام برنت إلى نحو 85 دولارا للبرميل - من نحو 105 دولارات حاليا - أن يبدأ في الضغط على الأوضاع المالية لدول الخليج في حين يدعم اقتصادات دول الربيع العربي المستوردة للنفط. ويستبعد سفاكياناكيس أن تستقبل منطقة شمال إفريقيا تدفقات كبيرة من الأموال الأجنبية دون تحقيق انفراجة سياسية.