مع مرور الأيام والليالي والأعوام يجد المرء نفسه قد ودع سنة ماضية بكافة آلامها وآمالها وأحلامها ومواسمها وطاعتها الكريمة وأزمنتها المفضلة العظيمة فينبغي علينا جميعاً أن نبالغ ونكثر من الحمد والشكر والثناء للباري عزَّ وجلَّ الذي ما عمل عامل ولا بذل منصفاً ولا مزكياً ولا صائماً ولا عابداً ولا حاجاً إلا بتوفيقه وتيسيره وتقديره فله الحمد حمداً طيباً كثيراً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى.
إن من آثار المواسم والطاعات التي شرعها الباري عزَّ وجلَّ لعباده في هذه الحياة مضاعفة الحسنات وإقالة العثرات والزلات وتكفير السيئات وتجديد العقد وتقوية الإيمان برب العباد وتصحيح المسار واختيار الامتثال لأمر الشرع وهو الباري عزَّ وجلَّ الذي وفق للعمل فكم قادراً وصحيحاً وقوياً على أداء كافة العبادات والواجبات لكنه بعيداً كل البعد عنها كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة السجدة: آية 13] فهو الذي منحنا القدرة البدنية والجسمية والعقلية والمالية على تأدية هذه العبادات على الوجه الأكمل فالواجب على المرء عندما يرى نعم الله عليه واسعة وكثيرة أن يشكر الله دائماً ويستعين بها على طاعة الرحمن ويعلم جيداً أن هذه النعم الفضيلة التي لا تعد ولا تحصى من فضل ربنا وكرمه وإحسانه وجوده والله أكرم الأكرمين ونحن الآن نستقبل سنة جديدة حامَلة بين طياتها وجنباتها كافة أبجديات الأمل والتفاؤل والفرح والسرور والإشراق في وجه عالمنا العربي والإسلامي بعد أن ودعوا سنة منصرمة بما حملته من شتى أنواع الأحداث المؤلمة والمحزنة والمفجعة وليس أول على ذلك من أن بؤر الحراك والعراك والصراع المرير داخل أجساد أفراد أمتنا العربية الآن فقد نجح أعداء الأمة نجاحاً باهراً وكبير في خطواتهم الأولى على طريقة نظام الظلم لهذه الشعوب فأعداء الأمس هم أعداء اليوم هم الذين زرعوا الفتن والقلاقل بين شعوبهم وشيعوا الجوع والفقر والأوبئة والتشريد والقتل والدمار إن المذابح اليوم التي نشاهدها على القنوات الفضائية لا زالت قائمة وحمامات الدم تنهش في أجساد أمتنا العربية والإسلامية فهم الآن ضحايا قادتها على كل حال والعالم كله من حولهم يتفرج على هذه الأعمال الإجرامية التي يقوم بها هؤلاء.
فهل يستجيب الذين يملكون زمام السلطة في هذه البلدان إلى جانب دعوات إخوانهم الأشقاء وجيرانهم الأوفياء في كل مكان من عالمنا العربي حتى تنعم شعوبها المضطهدة بالأمن ويتحرروا من أدران القتل والتشريد والدمار والهلاك ومن إرث الظالمين الحاقدين البائدين مع الجهود المبذولة لتسوية النزاعات والخلافات سلمياً والحفاظ على وحدة الأمة العربية وحث دول العالم على تقديم العون والمساعدة في حل الخلافات الطاحنة كل يوم والإغاثة لشعوبهم النازحين من سلطة آلة الحرب المدمرة التي لا ترحم فهل نحن استفدنا من هذه الدروس وهذه العبر والمواعظ من سنة ماضية لا بد لنا جمعياً وبدون استثناء من وقفة تأمل وتدبر وتفكر في أمتنا العربية بعد كل هذه الوقائع الأليمة لحال مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص ومجتمعاتنا الإسلامية على وجه العموم ما أصابهم من وهن وضعف واستكانة وجراحات غائرة في أعماقهم وما عانوه من اضطهاد وقتل ... ومذابح .... ومقابر كما قال الشاعر الحكيم:
يامن سفكتم دماء الأبرياء سفاهة
وعربدة .... تبا لكم موتوا
موتوا اندحاراً فإنا قائلون لكم
وللعدالة يجديكم نفعاً ولا (الفيتو)
عيثوا فساداً فعين الله ترصدكم
وللعدالة آجال وتوقيت
ومن خلال منهج الحق تبارك وتعالى الذي خلق الإنسان ويعرف ما توسوس به نفسه والذي جعل لكل شيء قدرا ومن واقع التجارب العمليَّة العظيمة التي تحكم سيرة حياة هؤلاء المجرمين فهناك علامات بارزة تظهر جلية وواضحة على السطح في أقوالهم وأفعالهم وتسهم في الكشف عن دواخل نفوسهم وتفرز ما تضمه أعماق قلوبهم وتجدد درجات النفاق والعداء التي هم عليه وقد وصف نبي هذه الأمة المحَّمديَّة صلوات الله وسلامه عليه أن هذا الصنف من الناس بأنهم أسوأ نوعية بشريَّة في قوله (تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم كراهية له وتجدون الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه).
وقال الشاعر الحكيم - عبدالله بن المعتز:
نسير إلى الآجال في كل ساعة
وأيامنا تُطوى وهُنَّ رواحل
ولم نر مثل الموت حقا، كأنه
إذا ما تخطته الأمانيُّّّّّّّّّّّّ باطِلُ
وما أقبح التفريط في زمن الصِّبا
فكيف به والشيب في الراس نازِلُ
نرحَّل عن الدنيا بزادٍ من التقى
فعمرك ايَّام تُعدُّ قلائلُ
وقال حكيم: أصاب الدنيا من حذرها، وأصابت الدنيا من أمنها.
وقال نبي الأمة محمد صلوات الله وسلامه عليه (اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك)
وفق الله الجميع لكل خير وفلاح إنه على كل شيء قدير وصلى الله على نبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه.