نحن معشر المسلمين نستمد منهجنا في الحياة من سيرة خاتم الأنبياء. فهو قدوتنا في عباداتنا وفي حياتنا الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والحضارية وغيرها. عندما وصل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بدأ أول ما بدأ به ببناء المسجد.
وفي هذا رسالة عملية كافية بأن الأولوية في بناء الحضارات وبرامج التنمية تكون لبيوت الله. وأن بيت الله هو مصدر الإشعاع الروحي والنموذج الأعلى للسلوك الاجتماعي وللتنمية الحضارية بأبعادها المختلفة.
وعندما يتم الحديث عن النموذج الأفضل للمحاكات أو ما يعرف بـ(best practice) فإننا نعني أن بيت الله يجب أن يكون أفضل بيت في المدينة من حيث الشكل والمضمون وفي الأبعاد الحضارية المختلفة في التشغيل والصيانة والاقتصاد والإدارة وسلوك القائمين عليه ومرتاديه. أيّ أن يكون قدوة لنا في الأمور المادِّية المحسوسة (الشكل، النظافة، المحتوى التنظيم والترتيب والخدمات الأخرى..الخ) وفي الأمور السلوكية ذات الأثر المتعدد كسلوك القائمين عليه وسلوك مرتاديه وإدارة واقتصاديَّة التشغيل وكفاءة الأداء. وباختصار يُتوقَّع من المسجد (بيت الله) أن يكون مثالاً لنا نقتدي به في بناء حضارتنا وفي سلوكنا الحضاري وحياتنا العملية.
فهل هذا هو واقع الحال؟
نحن أكثر الشعوب ارتيادًا للمساجد ولا ينتابني شك -رغم عدم توفر البيانات- أننا أعلى مجتمع في نسبة المساجد إلى عدد السكان ومن ثمَّ فإنّه يفترض - من الناحية النظرية على الأقل- أن نكون أفضل الشعوب في سلوكياتنا العملية والاجتماعيَّة من الانضباط في العمل إلى التعامل مع الآخرين إلى قيادة السيارة...الخ.
فهل هذا هو الواقع؟ أخوف ما أخاف أن نكون في ذيل القائمة حتَّى بالنسبة لدول الخليج المشابهة والمجاورة لنا.
كثر الحديث في الفترة الماضية عن الحالة المزرية لمحطات الوقود في المملكة واستياء الكثير من وضعها، بالرغم من أنّنا لا نرتادها إلا يوم في الأسبوع وربما في الشهر والكثير منَّا لا يترجل من مركبته عندما يتوقف فيها، فما بالنا فيما نرتاده في اليوم خمس مرات ونمكث فيه الوقت الطويل، وهو رمز حضارتنا وملتقى أفئدتنا.
وبصرف النظر عن ارتيادنا له أو مكوثنا فيه فالأهم من ذلك أنّه بيت الغني جلّ شأنه وعزَّ جاره واغتنى سائله. والشيء الملاحظ أنَّه باستثناء ما حظي به الحرمان الشريفان من رعاية من قبل قادة هذا البلد الكريم، فإنَّ السواد الأعظم من المساجد متواضعة في تشييدها وفي تشغيلها وصيانتها، سواء منها ما تم بناؤه من قبل فاعلي الخير أو الجهات المختصة وهي لا تليق بمن تنسب إليه (ملك الملوك إله العالمين). ولا يبدو أنها بوضعها الحالي مناسبة لتكون مدرسة للسلوك الاجتماعي ولا أنموذجًا للاقتداء به في التشييد والاقتصاد والإدارة.
وللحديث بقية في الخميس القادم إن شاء الله..