حراج بن قاسم اليوم، ليس كحراج بن قاسم أمس. الفرص التي كان يفترسها العمال المخالفون، صارت متاحة لأبناء البلد. وحين أقول يفترسها، فلأن هذا هو التعبير الواقعي لحال هذا السوق وغيره من الأسواق الشعبية وأسواق الخضار والبقالات، في غياب أية جهة رسمية تحمي المواطن الباحث عن لقمة عيش متواضعة، من هؤلاء المفترسين.
لقد ظلت أسواقنا مختطفة من قبل عمالة متكاتفة، تقطع الطريق على أي شاب يحاول أن يشق طريقه بينهم. ولكم أن تتخيلوا مشاعره، وهو يغتال في بلده، على يد عمال غير نظاميين، دون أن يتدخل أحد لإنقاذه. ولكي ينجو هذا الشاب بنفسه، صار إما يعمل معهم وبشروطهم وتحت سيطرتهم، وإما يبحث له عن شارع عام، يعرض فيه بضاعته، بعيداً عن أنظارهم. وربما سمع بعضكم قصة تلك العجوز التي رمى عامل غير نظامي بسطتها الشعبية في عرض الطريق، وعلى مرأى الجميع، لأنها لا تلتزم بشروطه.
هكذا وصل بنا الحال. وكنا نقول دوماً بأنه حال ميئوس منه، وأنه سيجرنا إلى الخراب. وطالما أن التصحيح بدأ، وطالما أن العلامات الحيوية لسوق مثل حراج بن قاسم، بدأت تصير طبيعية، فإننا نأمل ألا تنتكس صحته وصحة بقية الأسواق، مرة أخرى. وإذا حصل ذلك، فإنها ستدخل بلا شك، في موت سريري.