لا يُمكن للعسل أن يفسد..
هذه حقيقة علمية يمُكن إثباتها بسهولة، فالعسل لا يتعفَّن مهما تمَّ تخزينه لفترات زمنية طويلة تصل لمئات السنين، ومهما تعرَّض لدرجات حرارة عالية، بل ويسكن بكل حلاوة بباطن خليته معلَّقاً على غصن شجرة وتحت أشعة شمس حارقة دون أن يتعفَّن!.
يوم 9 ديسمبر الفائت كان اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وهذا ما قادني لتصفُّح موقع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للاطلاع على آخر نشاطاتها، وفي الحقيقة ما زالت الهيئة تبذل مساعيها في مكافحة الفساد عن طريق صرف المكافآت المالية للمبلِّغين عن حالات الفساد أو تنظيم المنتديات التوعوية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وغيرها من الأعمال التي تخدم الهدف ذاته، لكني شعرتُ أننا قفزنا على خطوة مهمة هنا.. فكيف نخطط للمكافحة ونتجاوز التخطيط للوقاية؟.. فالوقاية هي التي ستجنبنا الخسائر المادية والعملية المنفقة في سبيل العلاج والمكافحة.. وهذا يدفعنا للقيام بدراسة لسيكيولوجية الفساد والكشف عن مسبباته، لأن الفساد الإداري والمالي ما هو إلا ناتج طبيعي للفساد الأخلاقي والاجتماعي.
السؤال الذي طالما شغل الفلاسفة والتربويين هو: ما هو أصل الخير ومبدؤه؟.. وهل الرادع الداخلي جزء من تكوين النفس البشرية أم مكتسب؟.. ويُمكننا أن نضيف سؤالاً هنا: هل لمجتمعنا السعودي قاعدة أخلاقية تنطلق منها أخلاقيات العمل والسلوك الاجتماعي؟.. بقليل من التأمل في واقعنا الاجتماعي سنجد ظواهر كثيرة من أشكال الفساد الأخلاقي المتفشي في الشوارع والبيوت والمدارس ومؤسسات الأعمال.. كظاهرة الغش في الامتحانات لدى تلاميذ المدرسة، ظاهرة العنف اللفظي لدى سائقي السيارات وقت الزحام، التفكك الأسري، الكذب والعنف والانتهازية والتملُّق والاحتيال، تلك القيم التي تُشكّل أرضاً خصبة يترعرع فيها الفساد.
إن البناء الأخلاقي المتين هو الحماية الحقيقة التي تخفف من ظاهرة الفساد المالي والإداري الذي استنزف البلاد، لأن الرادع الحقيقي بمعرفة الخير خيراً للقيام به أو القبح قبحاً وتجنبه، هو بمثابة مضادات البكتيريا التي تحفظ العسل من الفساد والتعفُّن.