قد تتساءل كيف أن (القانون) له كل هذه القوة لردع الشرور، وكيف أن الناس تمتثل له طواعية وكرهاً، ويقل الشر في محيطه، ويكثر الخير؟ وقيل: “إن أرض القوانين أرض خصبة لنمو الخير وانتشاره”، وقيل: “إن إبليس يخشى القانون” خشيته من الجذام!!
وجود هذا التأثير للقوانين، وهو فعل بشري، يؤكد قوله تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}؛ الأمر الذي يمكن أن نهزم الشر = الشيطان = المنكر بالقانون باعتباره يمثل الحق = المعروف. والقانون أفضل ألف مرة من ألف خطبة وعظية، ينتهي أثرها بانتهائها، على اعتبار أن الشيطان ينتظر خلف أسوار المسجد؛ ليعود إلى عمله الذي نذر به نفسه: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}.
القانون أقوى من الإيمان في ردع الشرور والشياطين، أو هذا حاله؛ لأن القانون ثابت والإيمان (يزيد وينقص)، وهذا ما فطن إليه الخليفة الثالث عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عندما قال: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، ويزع تعني (يمنع، والسلطان هنا يمثل (القانون) ـ أي قانون ـ يصدره.
عندما نضع قانوناً مستقى من قيم القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، فإنه سيصبح أقوى قانون على وجه الأرض؛ لأنه يحتكم لنصوص إلهية، والفعل البشري الذي استنبطه جاء بناء على فعل سماوي، يعرف ما لله وما لقيصر؛ ما يؤكد ثمة فاعلية للإنسان في إدارة شؤونه في محيط الفاعلية الإلهية، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}.
الصراع بين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ومعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ـ جاء ليس لأنهما غير مؤمنين، ولكنه جاء لأنه لا يوجد (قانون) ينظّم أمر الخلافة بين الصحابة، على اعتبار أن القانون فعل بشري، لا نص قطعياً بشأنه.
فإذا كان الاتفاق في (سقيفة بني ساعدة) تم لصالح عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وهي عملية سياسية مشروعة، فإن هذا الاتفاق لم يكن له موطن في موقعة صفين والجمل لغياب قانون منظم، ومع كل المحاولات التي جرت لرأب الموقف هناك من سعى لشق الصف. نجح الشاقون للصف، وتأخر بناء نظام (تداول خلافة = رئاسة) حتى اليوم.
الأشرار يخشون القانون باعتبارهم ممثلين للشيطان في الأرض؛ فهم وهو يخشون كل ما يؤثر في امتيازاتهم = احتكار الخير لهم، وكفر النعم له، ولا يوجد نفس طيبة تكره (نظاماً) يشيع به الخير، ويعم به الأمن، ويسود به العدل، ويُعبد الله في أرضه على بصيرة.