عندما أبلغني معالي وزير الثقافة الإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة باهتمام سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز بكتب السير الذاتية التي أنجزتها خلال السنوات الماضية، وآخرها كتاب (الشيخ عبدالله بالخير يتذكر)، ورغبة سموه في زيارتي له بأقرب فرصة، لم تسعني الأرض بما رحبت، فسلمان لنا ليس أميرا فحسب، ولكنه أمير المثقفين والمؤرخين، وسبق أن كرم رواد المؤرخين الشفويين عام 2003م في احتفالية بدارة الملك عبدالعزيز، وتشرفت أن كنت من بينهم.
وهو صاحب الفضل على أول وأكبر مشروع قمت به (مذكرات الشيخ عبدالله بلخير) عن فترة عمله في ديوان المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ثم بديوان الملك سعود، فوزارة الإعلام في أواخر ذلك العهد وبداية عهد الملك الشهيد فيصل -رحمهم الله جميعا- فقد كلفني سموه قبل ربع قرن عن طريق الناشرين هشام ومحمد علي حافظ بإقناع أبا يعرب بتسجيل نصف قرن من الذكريات التي حفظتها ذاكرته الفوتوغرافية وعبرت عنها لغته الأدبية اليعربية. وكان أن سجلت مع شاعر مكة، شاعر الأمة، وشاعر الملاحم الأندلسية اثنتين وستين حلقة نشرت أسبوعياً على مدار أكثر من عام في جريدة الشرق الأوسط، ثم جمعتها في كتاب أهديته لسموه -مؤخراً- مع كتاب سبقه لسيرة الشيخ أحمد صلاح جمجوم، أصغر وزير تجارة في وزارة برئاسة الأمير (الملك) فيصل في عهد الملك سعود، وأول رئيس للخطوط السعودية. فكانت الكتب سبباً في هذه الدعوة السامية.
حملت معي إلى اللقاء الذي تحدد بعد اتصال الوزير بيومين في مكتب سموه بقصر السلام بجدة نسخة من كتاب ثالث (الأمير محمد الفيصل يتذكر)، وقائمة بكتب أخرى نفدت من الطبع أو لم تسعفني الظروف بطباعتها بعد.
وجدت معي أبناء الشيخ عبدالله بلخير، يعرب وقحطان وعمر، فقد أراد الأمير بوفائه لرجالات البلد ورواد نهضتها أن يكرم أبناء الراحل عبدالله بلخير في ذريته. وكان لقاء لا كأي لقاء جمعني بسموه من قبل. فقد أبحر -حفظه الله- على مدى ساعة في تاريخ صقر العروبة عبدالعزيز وأبنائه الملوك ورجالاتهم من أبناء هذه الأرض ومن غيرها من بلاد العرب والمسلمين. حكى أبو فهد وروى وربط بين ما قرأ في الكتابين، وما عرفه وعايشه من أحداث ومواقف. وكان في روايته سلسلا، مشوقا، ومشبعا في المعلومة والتاريخ والشخصيات والتوصيف.
سألني عن مشاريعي القادمة فقدمت له قائمة بها ووعدته بما أجده مما نفد من الطبع، فوعد أن يقرأها ويناقشها معي، وأن يضعها ومثلها من كتب التاريخ في مكتبة البيت لزواره وأسرته، ثم تساءل بحزن: ولكن ماذا عن الجيل الجديد؟ كيف نوصل إليه محتويات هذه الكتب وفحوى هذا التاريخ العظيم حتى يفخر بأجداده ويعلم بدور الرواد العرب الذين أسهموا معنا في بناء البلد فتشيع روح المحبة وتتوثق الصلة بيننا وبين أمتنا العربية؟
طرحت على سموه فكرة مشروع ثقافي، إعلامي برعايته لتكريم الرواد تحت عنوان «ما نسيناكم» مع وزارة الثقافة والإعلام وبإشراف وزيرها المثقف، مع كرسي دراسات للتأريخ الشفوي بكلية الأمير سلطان للإدارة بجامعة الفيصل، فرحب بالمشروع وتحمس له كعادته مع كل مشروع ثقافي وتاريخي وتكريمي للمخلصين والأوفياء وأحالني لمعالي الوزير.
كان الأمير رحبا ومرحبا كعادته، ومبحراً ومبهراً في عالم الفكر والثقافة والتاريخ بأكثر مما اعتدته. حلق بنا في ماض تليد وحط بنا في حاضر مَجيد وأجاب عن أسئلة لم نطرحها إلا عن سؤال: ترى كيف يجد مثله، وهذا حمله، الوقت ليقرأ بهذا القدر من العمق والاستيعاب؟ لا أقول سوى: ما شاء الله تبارك الله. والحمد لله، بلدنا بخير.