Sunday 24/11/2013 Issue 15032 الأحد 20 محرم 1435 العدد
24-11-2013

العائدون

ليست الهداية بيد المخلوق، بل هو سبب فيها، إذ هي تحت مشيئة الخالق، الذي أبان للبشرية طرق الخير والشر، ومنحها حق الإرادة والاختيار، ولم أشأ اختيار عنواناً لهذا المقال قد سبقنا إليه (العائدون إلى الله)، فالإنسان، لاسيما المسلم، وبحكم الفطرة يظل إن زلت به قدمه في بعض سني الحياة مرتبطا بخالقه، خوفا ورجاء.

- المقال هنا عن نماذج من البشر لدينا مارسوا، أو تعلقوا ببعض الهوايات الرياضية، أو الفنية على أنواعها، أو لنقل جنحوا في سلوكهم عن عادات وتقاليد المجتمع، وحاولوا التحرر منها، أو السعي إلى تغيير قناعات الناس حيالها. هذه الفئة مهما كان حجمها لها جمهورها، ولها عشاق فنها المعجبون، حتى عدّ بعضهم رائداً من رواد ذلك الفن، أو تلك المدرسة، أوسابق لعصره في نظرته لكثير من شئون الحياة، ومن الطبيعي أن تكون بعض تلك الهوايات، أو الاتجاهات الفنية عند إنسان ما مرتبطة بسن محددة، حيث يضطر إلى اعتزال هواياته الشبابية أحياناً، ويسلك أبواباً أخرى في الحياة تتلاءم مع متطلبات الواقع.

- الملاحظ عندنا أنه وبمجرد أن يعلن أحد أصحاب الشهرة اعتزاله عن تلك الفنون أو الهوايات حتى يصبح لذلك الخبر رنة وصدى، وتهليل وتكبير، وتحليل وتعليل، وحفاوة واستقبال من قبل أوساط الدعاة والمحتسبين، وربما يقابل ذلك بتفسيرات واتهامات غير منطقية من أطراف أخرى، حتى أن المعني بالأمر قد يصاب بالذهول، وتشتد به الحيرة، وهو يسمع من يدعو له بالثبات، وتلتقط له الصور التذكارية بهيئته الجديدة مع هذا وذاك، فيتخيل وكأنه يعيش لحظات زفافه. ويظل متسائلاً، أين كنت؟.. وماذا عملت؟ ولماذا هذا الوهج الكبير، وإلى متى سأظل فيه؟.. ويظل كذلك من يعيش ممارسة تلك الهوايات يتساءل، وينظر إلى واقعه بشيء من الشك والريب.

- أعود. من يعتزل فنه وهواياته، ويعيش بين جمهور جديد يهيئه للدعوة لتغيير بعض المفاهيم، ورسم واقع للوسط الفني الذي كان يعيشه، وليس بالضرورة أن يكون هو الواقع الحقيقي، بل يقتبس منه المساوئ، والمثالب، والعيوب، ويعطي ربما تصورات خاطئة مجحفة عن أنماط السلوك البشري، وذلك بهدف التنفير، ويتناسى قول الحق (لا يحب الله الجهر بالسؤ من القول).

- فجأة ذلك المسكين البسيط (العائد) يتصدر المجالس، أو يُصدر فيها، يستهل مرحلة جديدة، يستغل تاريخه وجمهوره، وتجد من يستثمر الموقف ويتداخل ويقارن بين هذه الشخصية الفريدة (العائدة) وبين نماذج إسلامية متفردة في التاريخ العربي والإسلامي، عاشت في حياتها أكثر من مرحلة، وغيرت في مجرى التاريخ، وفي حياة البشر، ذلك الرعيل، وتلك النماذج تتجسد اليوم في شخص هذا الرجل المعاصر، بعد أن سلك السبيل المستقيم؟

- طبيعي أن تتورم الذات، وتتعاظم النفس، وتنطلق هذه الشخصية البسيطة، لتتصدر الفتوى في بعض الأحيان، وتبدأ في التحريم والتحليل، وهنا تبدأ المشكلة الكبرى، إذ يتمادى، أو يتجرأ حتى على أولئك النفر من حوله، والذين صنعوا له تلك الهالة، بل ونجد من بعض الأساليب والتعابير التي ينتهجها في كلماته المنبرية، ومقابلاته التلفزيونية إسفافاً ما بعده إسفاف، وتبسطاً في الحديث ما بعده تبسط، حتى ليختلط على السامع هزل الإنسان من جده، بحجة أن هذا الأساليب بلغتها المحلية الدارجة، وما تشتمل عليه من فكاهة من الأساليب العصرية، الملائمة لظروف العصر. والشباب لا يفهم ولا يستجيب إلا بتلك اللغة الشعبية، أو أحياناً الشوارعية، لكن الحقيقة تقول إن فاقد الشيء لا يعطيه، فهو لا يمتلك في الأساس سوى هذه البضاعة التي يعبر عنها، مهما كانت ذرائعه.. الزج بتلك الشخصيات فجأة، وبدون تأهيل، والاستعجال في ذلك ليس من الحكمة في شيء، فالمجال الذي يخاض فيه لا يقبل مثل تلك الأطروحات، والقدوة في ذلك هم أولئك الرعيل من العلماء الذين عكفوا سنوات عديدة على الدرس والتحصيل على أيدي بعض العلماء قبل أن يتصدروا المجالس للآخرين.

- بلا شك، الله أشد فرحاً بتوبة عبده، هذا إذا سلمنا بانحرافهم، أو انحراف واقعهم الذي عاشوه، لكنني أعتقد أن نظرتنا الضيقة للحياة، وتصنيفاتنا والفئوية التي اصطنعناها، وابتعادنا أوتوجسنا من بعض أنماط السلوك هو الذي ربما يصنع بيئات، أو شخصيات من السهل وقوعها في بعض المزالق، وحينما تعود نعود نحن ونرتكب معهم مثل تلك الأخطاء.

dr_alawees@hotmail.com

dr.alawees.m@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب