الإعلام بين فكي واقعه، والمتطلب منه بناء على أسسه.. مدار تساؤل، في مرحلة يهم الرأي العام أن يجد في وسائله ما يحقق دوره في مجالات الحياة ..، وتطورها..
والذين يفحصون واقعه، لا ريب سيجدونه يأخذ بروح الحرية، والدور، وظاهر الشعارات الإيجابية التي تدور في مجتمع الإنسان العام، وتؤسس لإجراءات تنفيذ العدالة، ونشر الحقيقة، ومواكبة التنمية، والشراكة في العمار، والفعل، والاختصاص في مجالات ذلك، والنزول لسوقه، والاحتكاك بمصادره..و و...
وهو في واقعه يتلبس بهذا اللبوس،لكنه فضفاض لا يتناسب تماما مع أصل هذه الروح التي يأخذ بها..
لا يزال واقع الإعلام تحديدا في مجتمعنا، والمجتمعات العربية، لم يفصل بين الحقيقة وشبيهتها، وبين الكذبة وشبهتها، ولا بين الدعاية للعدل والتورط في الظلم، ولا بين الشراكة في التنمية،والتورط في إحباطها،..
إذ لا يؤكد دوره تطوير تقانة الطبع، وورق النشر، وكثرة التوزيع، وعودة الرجيع بأقل الأعداد، وتعبئة أرصدة الصحف بفائض لم يكن، وانتشار المكاتب، والتمثيل في المحافل، والصوت، والعصا، هو هذا الإعلام..
ولا هو بالجعجعة، وتتبع العورات، والنزول لمضامير الوغى في تكوين موقف مع،أوآخر ضد،
ليس هو دون أن تبنى مواقفه، ويعلو صوته مع احتياجات الواقع الفعلي، ومواكبة أحداثه بفهم دقيق، وعلم أكيد، وفعل يؤثر، وموقف يغير، ويضيف..، ودون أن تكون له قيم في مخرجاته، وآلياته، وأفكاره، ومواثيقه..
الإعلام صناعة تتطور مع تطور البشر، وأسلوب الحياة، وتحديث الأنظمة، والقوانين، وهو مهنة ليست للعرض كما كانت، بل للفرض بشروط المعرفة فيها، وإجادة صنعتها متابعةً، وغوراً، وتتبعاً، وكشفاً، وتحريا أمينا، ودقة، وأمانة، وصدقا، ولغة،وفكراً، وقيما، ومبادئَ، وقياسا، وتحليلا.. ليكون الفاعل ذا السلطة المؤثرة، والمُهابة، والمقدَّرة..
الإعلام ليس قنوات ٍتفتح، ومواقعَ تُنشأ، وصحفا تُنشر، ومكاتبَ تتسع، وموظفين يسهرون..!
فلربما هناك قنوات تفسد ولا تفيد، تكذب ولا تصدق، تتوهم ولا تتحقق، تجذب ولا تتعمق،.. تميع الحقائق، وتطفو على السطح..!
وربما هناك مواقع تنشأ، وهي تفرُغ،.. تقول، وتهرف، تهتك بلا دليل، ترفع وضيعا، وتضع رفيعا، تبعد عن الهموم الرئيسة، والقضايا الحيوية، وتتصدى للسطحي منها، تفرح بالمتهافتين للذيوع، ولا تلتفت للأعمق الجاد..،
وربما هناك مكاتب تتسع بمن فيها، دون أن تكون مخابز تعجن الأفكار، وتمتزج عجينتها بالشارع، والمار، والآهات،والدموع، والفرح، والشموع، والبناء، والنقض، و..،..و..
وربما هناك صحف تمس ظاهر القضايا مسا، لا تلج الجروح، ولا تصل لمبتدأ العروق، ولا تحفر للنهر، وتردم الجداول، وتخوض مع العاصفة، وتولول مع النائحة، وتبعد عن مصادر النبع، والنهر، والمستنقع.. ربُّها الإعلان، وقضيتها الإثراء، وعناصرها الأبواق..
وربما هناك موظفون لها بعيدون عن تراب الطرق، وطين الحفاة، وعرق الكادحين، وآلام الموجوعين، وشكوى الشقوق، والأنقاض، والتلوث، والأمراض..
الإعلام إن لم يكن بكل وسائله، وإمكاناته، وعناصره، ونظمه، يتيح للحقيقة، وللعدل، ويشارك بفاعلية فيهما بقدرة معرفة، واختصاص مجال، وقناعات راسخة تنمو، وتتطور، وإيمان برسالتيهما، يجعلهما محوري أدائه، فإنه لن يكون الفاعلَ في التنمية،ولا الشريك المواكب في تطور ما حوله، ولا المؤثر في تغيير من، وما..، ولا القائم برسالته في بيئته..، والأبعد.
إننا كثيرا ما عرضنا الإعلام العربي على هذه المسطرة في معيار الإعلام الناجح عالميا، فوجدناه بعيدا كثيرا عن الإعلام روحا، شكلا وموضوعا ومضمونا..، لكننا وجدناه يتمسح بثياب هذه الروح واقعا..، ويحذو نحو ظلها..